Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 77-78)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالركوع والسجود هنا الصلاة ، وعبر عنها بهما ، لأنهما أهم أركانها ، وناداهم - سبحانه - بصفة الإِيمان ، لحضهم على الامتثال لما أمروا به . أى يا من آمنتم بالله - تعالى - وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر حافظوا على أداء الصلاة فى مواقيتها بخشوع وإخلاص ، لأن هذه الصلاة من شأنها أن تنهاكم عن الفحشاء والمنكر ، وأن ترفع درجاتكم عند خالقكم . وقوله - تعالى - { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } أى واعبدوا ربكم الذى تولاكم برعايته وتربيته فى كل مراحل حياتكم ، عبادة خالصة لوجهه الكريم . وقوله { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } تعميم بعد التخصيص ، إذ فعل الخير يشمل كل قول وعمل يرضى الله - تعالى - كإنفاق المال فى وجوه البر ، وكصلة الرحم وكالإِحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التى حضت عليها تعاليم الإِسلام . وقوله - تعالى - { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تذييل قصد به التحريض على امتثال ما أمره الله - تعالى - به ، والفلاح الظفر بالمطلوب . أى أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة ، واعبدوا ربكم عبادة خالصة ، وافعلوا الخير الذى يقربكم من خالقكم ، لكى تنالوا رضاه وثوابه - عز وجل - . فكلمة " لعل " للتعليل ، ويصح أن تكون على معناها الحقيقى وهو الرجاء ، ولكن على تقدير صدوره من العباد فيكون المعنى وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح ، ومتوقعين الفوز والنجاح . والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية ، وأحاطت بها من كل جوانبها . قال الآلوسى ما ملخصه وهذه الآية آية سجدة عند الشافعى وأحمد ، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ، ولحديث عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما . وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست آية سجدة . لأنها مقرونة بالأمر بالركوع ، والمعهود فى مثله من القرآن ، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة ، كما فى قوله - تعالى - { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } وما روى من حديث عقبة إسناده ليس بالقوى . وبعد أن أمر - سبحانه - بالصلاة وبالعبادة وبفعل الخير ، أتبع ذلك بالأمر بالجهاد فقال - تعالى - { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } . والجهاد مأخوذ من الجهد ، وهو بذل أقصى الطاقة فى مدافعة العدو . وهى أنواع ، أعظمها جهاد أعداء الله - تعالى - من الكفار والمنافقين والظالمين والمبتدعين فى دين الله - تعالى - ما ليس منه . كذلك من أنواع الجهاد جهاد النفس الأمارة بالسوء ، وجهاد الشيطان . وإضافة " حق " إلى " جهاد " فى قوله { حَقَّ جِهَادِهِ } من إضافة الصفة الى الموصوف أى وجاهدوا - أيها المؤمنون - فى سبيل الله - تعالى - ومن أجل إعلاء كلمته ، ونصر شريعته ، جهادا كاملا صادقا لا تردد معه ولا تراجع . قال صاحب الكشاف قوله { وَجَاهِدُوا … } أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى . وهو الجهاد الأكبر . عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه رجع من بعض غزواته فقال " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " { فِي ٱللَّهِ } أى فى ذات الله ومن أجله . يقال هو حق عالم ، وجد عالم ، ومنه { حَقَّ جِهَادِهِ } . فإن قلت ما وجه هذه الإِضافة وكان القياس حق الجهاد فيه ، أو حق جهادكم فيه ، كما قال { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ } ؟ . قلت الإِضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص . فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت إضافته إليه … وجملة " هو اجتباكم " مستأنفة ، لبيان علة الأمر بالجهاد ، والاجتباء الاختيار والاصطفاء . أى جاهدوا - أيها المؤمنون - من أجل إعلاء كلمة الله ، لأنه - سبحانه - هو الذى اختاركم للذب عن دينه ، واصطفاكم لحرب أعدائه ، وجدير بمن اختاره الله واصطفاه أن يكون مطيعا له . ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر لطفه بعباده فقال { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } . أى ومن مظاهر رحمته بكم - أيها المؤمنون - أنه سبحانه لم يشرع فى هذا الدين الذى تدينون به ما فيه مشقة بكم ، أو ضيق عليكم وإنما جعل أمر هذا الدين ، مبنى على اليسر والتخفيف ورفع الحرج ، ومن قواعده التى تدل على ذلك أن الضرر يزال . وأن المشقة تجلب التيسير وأن اليقين لا يرفع بالشك ، وأن الأمور تتبع مقاصدها ، وأن التوبة الصادقة النصوح تجب ما قبلها من ذنوب . ومن الآيات التى تدل على أن هذا الدين مبنى على التيسير ورفع الحرج قوله - تعالى - { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا … } وقوله - سبحانه - { … يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ … } وفى الحديث الشريف " بعثت بالحنيفية السمحاء " . قال بعض العلماء وأنت خبير بأن هناك فرقا كبيرا ، بين المشقة فى الأحكام الشرعية ، وبين الحرج والعسر فيها ، فإن الأولى حاصلة وقلما يخلو منها تكليف شرعى ، إذ التكليف هو التزام ما فيه كلفة ومشقة ، أما المشقة الزائدة عن الحد التى تصل إلى حد الحرج ، فهى المرفوعة عن المكلفين . فقد فرض الله الصلاة على المكلف ، وأوجب عليه أداءها ، وهذا شىء لا حرج فيه . ثم هو إذا لم يستطيع الصلاة من قيام ، فله أن يؤديها وهو قاعد أو بالإِيماء … وهكذا جميع التكاليف الشرعية . والخلاصة أن هذا الدين الذى جاءنا به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه - عز وجل - مبنى على التخفيف والتيسير ، لا على الضيق والحرج ، والذين يجدون فيه ضيقا وحرجا ، هم الناكبون عن هديه ، الخارجون على تعالميه . ورحم الله الإِمام القرطبى فقد قال " رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع ، وأما السراق وأصحاب الحدود فعليهم الحرج ، وهم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدين … " . والمراد بالملة فى قوله - تعالى - { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } الدين والشريعة ، ولفظ " ملة " هنا منصوب بنزع الخافض . أى ما جعل عليكم - أيها المؤمنون - فى دينكم من حرج ، كما لم يجعل ذلك - أيضا - فى لمة أبيكم إبراهيم . ويصح أن يكون منصوبا على المصدرية بفعل دل عليه ما قبله من نفى الحرج بعد حذف المصدر المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه . أى وسع عليكم فى دينكم توسعة ملة إبيكم إبراهيم . ووصف - سبحانه - إبراهيم - عليه السلام - بالأبوة لهذه الأمة ، لأن رسول هذه الأمة - صلى الله عليه وسلم - ينتهى نسبه إلى إبراهيم ، ورسول هذه الأمة - صلى الله عليه وسلم - كالأب لها ، من حيث أنه - صلى الله عليه وسلم - جاءها من عند ربه - عز وجل - بما يحييها ويسعدها . والضمير " هو " فى قوله - تعالى - { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا … } يعود إلى الله - تعالى - أى هو - سبحانه - الذى سماكم المسلمين من قبل نزول القرآن . وسماكم - أيضا - بهذا الإِسم فى هذا القرآن . وقيل الضمير " هو " يعود إلى إبراهيم أى إبراهيم هو الذى سماكم المسلمين . ومن وجوه ضعف هذا القول أن الله - تعالى - قال { وَفِي هَـٰذَا } أى سماكم المسلمين فى هذا القرآن ، وإبراهيم - عليه السلام - لحق بربه قبل نزول هذا القرآن بأزمان طويلة ، وأيضا فإن السياق يؤيد أن الضمير " هو " يعود إلى الله - تعالى - لأن الأفعال السابقة كقوله { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } تعود إليه - عز وجل - . ثم بين - سبحانه - أسباب هذا الاجتباء والاصطفاء فقال { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } . والمراد بشهادة الرسول على أمته الإِخبار بأنه قد بلغهم رسالة ربه . والمراد بشهادة هذه الأمة على غيرها من الناس الإِخبار بأن الرسل الذين أرسلهم الله - تعالى - إلى هؤلاء الناس ، قد بلغوهم رسالة ربهم ، ونصحوهم بإخلاص العبادة لله وحده . ويؤيد ذلك ما رواه البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعى نوح - عليه السلام - يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب . فيقال له هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول نعم . فيقال لأمته هل بلغكم ؟ فيقولون ما أتانا من نذير . فيقال له من يشهد لك ؟ فيقول محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، فيشهدون أنه قد بلغ " . وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى - { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } والمعنى فعلنا ما فعلنا من اجتبائكم ، والتيسير عليكم ، وتسميتكم بالمسلمين ، ليكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهيدا عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أمر بتبليغه إليكم ، ولتكونوا أنتم شهداء على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم رسالة ربهم . وما دام الأمر كذلك { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أيها المؤمنون بأن تؤدوها فى أوقاتها بإخلاص وخشوع { وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } التى كلفكم الله - تعالى - بإيتائها إلى مستحقيها { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أى التجئوا إليه ، واستعينوا به فى كل أموركم فإنه - سبحانه - { هُوَ مَوْلاَكُمْ } أى ناصركم ومتولى شئونكم ، ومالك أمركم ، وهو - تعالى - { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } أى هو - عز وجل - نعم المالك لأمركم ، ونعم النصير القوى لشأنكم . وبعد فهذه سورة الحج ، وهذا تفسير محرر لها . نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .