Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 81-89)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لفظ " بل " فى قوله - تعالى - { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ } للإِضراب الانتقالى . وهو معطوف على مضمر يقتضيه المقام . أى لقد سقنا لهم ألواناً من النعم ، وسقنا لهم ما يدل على قدرتنا ومع ذلك فلم يؤمنوا . بل قالوا مثل ما قال من هم على شاكلتهم فى الكفر من الأقوام الأولين . ثم حكى - سبحانه - ما قالوه فقال { قَالُواْ } على سبيل التعجب والإنكار { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } . فهم يرون - لجهلهم وغبائهم - أنه من المستحيل أن يعادوا إلى الحياة بعد أن يموتوا ويصيروا تراباً وعظاماً نخرة . وهذا الذى قالوه هنا . قد حكى القرآن عنهم مثله فى آيات كثيرة ، من ذلك قوله - تعالى - { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } وقوله - سبحانه - { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } ثم بين - سبحانه - أنهم لم يكتفوا بإنكارهم للبعث ، بل أضافوا إلى ذلك سوء الأدب ، والسخرية ممن يؤمن به فقال { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ … } . أى لقد وعدنا على لسان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن البعث حق ، كما وعد آباؤنا قبل ذلك على ألسنة الرسل السابقين ، ونحن لا نصدق هذا الرسول ، ولا أولئك الرسل . { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أى ما هذا البعث الذى وعدنا جميعاً به ، إلا أساطير الأولين . أى أكاذيبهم التى سطروها من عند أنفسهم فى كتبهم . والأساطير جمع أسطورة ، كأحدوثة ، وأعجوبة ، وأكذوبة . وهكذا الجهلاء المغرورون ، لا يقفون من الحق موقف المنكر له فحسب ، بل يضيفون إلى ذلك سوء الأدب ، وقبح المنطق ، والقول بغير علم . وقد أمر الله - تعالى - رسوله أن يرد على أباطيلهم ، وأن يلزمهم بثلاث حجج ، تدل على أن الله - تعالى - قادر على إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم . أما الحجة الأولى فتتجلى فى قوله - سبحانه - { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أى قل لهم - أيها الرسول الكريم - لمن هذه الأرض ملكاً وتصرفاً ، ولمن هذه المخلوقات التى عليها ، خلقاً وتدبيراً ، إن كنتم من أهل العلم والفهم ؟ أو كنتم عالمين بذلك فأخبرونى من خالقهم ؟ فجواب الشرط محذوف لدلالة الاستفهام عليه . { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } ولا يملكون أن يقولوا غير ذلك ، لأن بداهة العقل تضطرهم إلى أن يعترفوا بأن الأرض ومن فيها لله - تعالى - . { قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أى قل لهم فى الجواب على اعترافهم هذا ، أتعلمون ذلك ، فلا تتذكرون بأن من خلق الأرض ومن فيها قادر على إحياء الناس بعد موتهم . وأما الحجة الثانية فهى قوله - سبحانه - { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } وهو كرسيه الذى وسع السموات والأرض ؟ { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } فهو رب كل شىء . { قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أى قل لهم على سبيل التبكيت والتقريع ، أتقولون ذلك ، ومع هذا لا تتقون الله ، ولا تخافون عقابه ، بسبب عبادتكم لغيره ، وإنكاركم لما نهاكم عن إنكاره ؟ وأما الحجة الثالثة ، فتتجلى فى قوله عز وجل { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ … } أى قل لهم من بيده ملك كل شىء كائناً ما كان . فالملكوت من الملك ، وزيدت الواو والتاء للمبالغة فى هذا الملك . { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } أى وهو - سبحانه - يغيث من يشاء من خلقه فلا يستطيع أحد أن يناله بسوء ، أما من يريد الله - تعالى - أن ينزل به عقابه ، فلن يستطيع أحد أن يمنع هذا العقاب عنه . يقال أجرت فلاناً على فلان ، إذا أغثته وأنقذته منه . وعدى بعلى لتضمينه معنى النصر . { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أى إن كنتم - أيضاً - من أهل العلم والفهم . { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } أى سيقولون ملك كل شىء لله ، والقدرة على كل شىء لله . { قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أى قل لهم فى الجواب عليهم ، ما دمتم قد اعترفتم بأن كل شىء تحت قدرة الله وسيطرته ، فكيف تخدعون وتصرفون عن الحق وعن الرشد مع علمكم بهما ، إلى ما أنتم عليه من باطل وغى ! ! . يقال سحر فلان غيره ، بمعنى خدعه ، أو أتى عمل السحر . والمسحور هو الشخص المخدوع أو من تأثر بما عمل له من سحر . وبهذه الحجج الدامغة ، أخرس الله - تعالى - ألسنة المنكرين للبعث ، واثبت لهم أنه - سبحانه - لا يعجزه شىء . وبعد أن أثبت - سبحانه - أن البعث حق ، أتبع ذلك بإثبات وحدانيته ، وإبطال ما يزعمون له - تعالى - من الولد والشريك . فقال { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ … } .