Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-61)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما روى عن ابن عباس أنه قال لما أنزل الله - تعالى - { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ … } تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والعمى والعرج ، وقالوا الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله عن أكل المال والباطل ، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة ، والمريض يضعف عن التناول ولا يستوفى من الطعام حقه ، فأنزل الله هذه الآية . وقيل نزلت ترخيصا لهؤلاء فى الأكل من بيوت من سمى الله فى هذه الآية ، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام ، فإذا لم يكن عنده شىء ذهب بهم إلى بيت أبيه ، أو بيت أمه ، أو بعض من سمى الله فى هذه الآية ، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك ، ويقولون ذهب بنا إلى غير بيته ، فأنزل الله هذه الآية . وقيل نزلت رخصة للأعمى والأعرج والمريض عن التخلف عن الجهاد … ويبدو لنا أن الآية الكريمة نزلت لتعليم المؤمنين ألوانا متعددة من الآداب التى شرعها الله - تعالى - لهم ، ويسرها لهم بفضله وإحسانه ، حتى يعلموا أن شريعته - سبحانه - مبنية على اليسر لا على العسر ، وعلى التخفيف ورفع الحرج ، لا على التشديد والتضييق . والحرج الضيق ومنه الحرجة للشجر الملتف المتكاثف بعضه ببعض ، حتى ليصعب على الشخص أن يمشى فيه . والمراد به هنا الإثم . والمعنى ليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج أو إثم فى الأكل من بيوت هؤلاء الذين سماهم الله - تعالى - . كذلك ليس عليكم حرج أو إثم - أيها المؤمنون - فى أن تأكلوا أنتم ومن معكم { مِن بُيُوتِكُمْ } التى هى ملك لكم . وذكر - سبحانه - بيوتهم هنا مع أنه من المعروف أنه لا حرج فى أن يأكل الإِنسان من بيته ، للإِشعار بأن أكلهم من بيوت الذين سيذكرهم - سبحانه - بعد ذلك من الآباء والأمهات والأقارب ، يتساوى فى نفى الحرج مع أكلهم من بيوتهم أى أن أكل الناس من بيوتهم لم يذكر هنا لنفى حرج كان متوهما ، وإنما ذكر لإِظهار التسوية بين أكلهم من بيوت أقاربهم وأصدقائهم ، وبين أكلهم من بيوتهم . وبعضهم يرى أن المراد بقوله { أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } أى من بيوت زوجاتهم وأولادهم . ثم ذكر - سبحانه - بيوتا أخرى لا حرج عليهم فى الأكل منها فقال { أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } أى أو البيوت التى تملكون التصرف فيها بإذن أصحابها ، كأن تكونوا وكلاء عنهم فى التصرف فى أموالهم . ومفاتح جمع مفتح - بكسر الميم - وهو آلة الفتح وملك هذه المفاتح كناية عن كون الشىء تحت يد الشخص وتصرفه . وقوله { أَوْ صَدِيقِكُمْ } معطوف على ما قبله والصديق هو من يصدق فى مودتك ، وتصدق أنت فى مودته ، وهو اسم جنس يطلق على الواحد والجمع ، والمراد هنا الجمع . أى ولا حرج عليكم - أيضا - فى الأكل من بيوت أصدقائكم . فالآية الكريمة قد أجازت الأكل من هذه البيوت المذكورة ، وهى أحد عشر بيتا - وإن لم يكن فيها أصحابها ، ما دام الآكل قد علم رضا صاحب البيت بذلك ، وأن صاحب البيت ، لا يكره هذا ولا يتضرر منه ، استناداً إلى القواعد العامة فى الشريعة ، والتى منها " لا ضرر ولا ضرار " وأنه " لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه " . قال صاحب الكشاف فإن قلت فما معنى { أَوْ صَدِيقِكُمْ } قلت معناه أو بيوت أصدقائكم ، والصديق يكون واحدا وجمعا ، وكذلك الخليط والقطين والعدو . ويحكى عن الحسن أنه دخل داره ، وإذا جماعة من أصدقائه قد استلوا سلالا من تحت سريره فيها أطايب الأطعمة . وهم مكبون عليها يأكلون فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال هكذا وجدناهم ، هكذا وجدناهم . يريد أكابر الصحابة ومن لقيهم من البدريين . وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه . فيأخذ منه ما شاء ، فإذا حضر مولاها فأخبرته ، أعتقها سرورا بذلك . وقوله - سبحانه - { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } بيان لنوع آخر من أنواع السماحة فى شريعة الإِسلام . والأشتات جمع شَتّ - بفتح الشين - يقال شت الأمر يشت شتا وشتاتا ، إذا تفرق . ويقال هذا أمر شت ، أى متفرق . أى ليس عليكم - أيها المؤمنون - حرج أو إثم فى أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين ، وقد كان بعضهم من عاداته أن لا يأكل منفردا ، فإن لم يجد من يأكل معه عاف الطعام ، فرفع الله - تعالى - هذا الحرج المتكلف ، ورد الأمر إلى ما تقتضيه شريعة الإِسلام من بساطة ويسر وعدم تكلف ، فأباح لهم أن يأكلوا فرادى ومجتمعين . فالجملة الكريمة بيان للحالة التى يجوز عليها الأكل ، بعد بيان البيوت التى يجوز الأكل منها والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها قد اشتملت على أحكم الأداء للترتيب اللفظى والموضوعى ، فقد بدأت ببيت الإِنسان نفسه ، ثم بيوت الآباء ، فالأمهات ، فالإخوة ، فالأخوات ، فالأقارب ، فالبيوت التى يملكون التصرف فيها فبيوت الأصدقاء … ثم لم يكتف بذلك ، وإنما بينت الحالة التى يباح الأكل منها … ثم بعد ذلك علمتنا آداب دخول البيوت التى ندخلها للأكل أو لغيره ، فقال - تعالى - { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } . والمراد بأنفسكم هنا أهل تلك البيوت التى يدخلونها ، لأنهم بمنزلة أنفسهم فى شدة المودة والمحبة والألفة ، و " تحية " منصوب بفعل مقدر أى فحيوا تحية . أى فإذا دخلتم أيها المؤمنون والمؤمنات بيوتا فسلموا على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم ، وحيوهم تحية ثابتة من عند الله ، مباركة طيبة ، أى مستتبعة لزيادة البركات والخيرات ولزيادة المحبة والمودة . ووصف - سبحانه - هذه التحية بالبركة والطيب ، لأنها دعوة مؤمن لمؤمن وكلاهما يرجو بها من الله - تعالى - زيادة الخير وطيب الرزق . وتحية الإِسلام أن يقول المسلم لأخيه المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . أى مثل هذا البيان القويم ، يبين الله - تعالى - لكم الآيات المحكمة ، والإِرشادات النافعة ، لكى تعقلوا ما اشتملت عليه من هدايات ، توصلكم متى انتفعتم بها إلى السعادة والفلاح . وبعد أن ساقت السورة الكريمة ما ساقت من أحكام وآداب منها ما يتعلق بالحدود ، ومنها ما يتعلق بالاستئذان ، ومنها ما يتعلق بالتستر والاحتشام ، ومنها ما يتعلق بتنظيم العلاقات بين الأقارب والأصدقاء … بعد كل ذلك اختتمت ببيان ما يجب أن يكون عليه المؤمنون من أدب مع رسولهم صلى الله عليهم وسلم فقال - تعالى - { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .