Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 17-19)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - { وَيَوْمَ } منصوب على المفعولية بفعل مقدر ، والمقصود من ذكر اليوم تذكيرهم بما سيحدث فيه من أهوال حتى يعتبروا ويتعظوا ، والضمير فى " يحشرهم " للكافرين الذين عبدوا غير الله - تعالى - . وقوله { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } معطوف على مفعول " يحشرهم " والمراد بهؤلاء الذين عبدوهم من دون الله الملائكة وعزير وعيسى وغيرهم من كل معبود سوى الله - تعالى - . والمعنى واذكر لهم - أيها الرسول الكريم - حالهم لعلهم أن يعتبروا يوم نحشرهم جميعا للحساب والجزاء يوم القيامة ، ونحشر ونجمع معهم جميع الذين كانوا يعبدونهم غيرى . ثم نوجه كلامنا لهؤلاء المعبودين من دونى فأقول لهم أانتم - أيها المعبودون - كنتم السبب فى ضلال عبادى عن إخلاص العبادة لى ، بسبب إغرائكم لهم بذلك أم هم الذين من تلقاء أنفسهم قد ضلوا السبيل ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والكفر على الإيمان ؟ والسؤال للمعبودين إنما هو من باب التقريع للعابدين ، وإلزامهم الحجة وزيادة حسرتهم ، وتبرئة ساحة المعبودين . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ } وقوله - عز وجل - { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ … } قال الإمام الرازى ما ملخصه فإن قيل إنه - سبحانه - عالم فى الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة السؤال ؟ . والجواب هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين ، كما قال - سبحانه - لعيسى { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم ، صار تبرُّؤُ المعبودين عنهم أشد فى حسرتهم وحيرتهم . وقال - سبحانه - { أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } ولم يقل . ضلوا عن السبيل ، للإشعار بأنهم قد بلغوا فى الضلال أقصاه ومنتهاه . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أجاب به المعبودون فقال { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } . أى قال المعبودون لخالقهم - عز وجل - " سبحانك " أى ننزهك تنزيها تاما عن الشركاء وعن كل ما لا يليق بجلالك وعظمتك ، وليس للخلائق جميعا أن يعبدوا أحدا سواك . ولا يليق بنا نحن أو هم أن نعبد غيرك ، وأنت يا مولانا الذى أسبغت عليهم وعلى آبائهم الكثير من نعمك . " حتى نسوا الذكر " أى حتى تركوا ما أنزلته عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك " وكانوا " بسبب ذلك " قوما بورا " أى هلكى ، جمع بائر من البوار وهو الهلاك . قال القرطبى وقوله { بُوراً } أى هلكى قاله ابن عباس … وقال الحسن " بورا " أى لا خير فيهم ، مأخوذ من بوار الأرض ، وهو تعطيلها عن الزرع فلا يكون فيها خير . وقال شَهْر بن حَوْشَب البوار الفساد والكساد ، من قولهم بارت السلعة إذا كسدت كساد الفساد … وهو اسم مصدر يستوى فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث . وهكذا ، يتبرأ المعبودون من ضلال عابديهم ، ويوبخونهم على جحودهم لنعم الله - تعالى - وعلى عبادتهم لغيره . ويعترفون لخالقهم - عز وجل - بأنه لا معبود بحق سواه . وهنا يوجه - سبحانه - خطابه إلى هؤلاء العابدين الجهلاء الكاذبين فيقول { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً … } . أى قال الله - تعالى - لهؤلاء الكافرين على سبيل التقريع والتبكيت والآن لقد رأيتم تكذيب من عبدتموهم لكم ، وقد حق عليكم العذاب بسبب كفركم وكذبكم ، وصرتم لا تملكون له " صرفا " أى دفعا بأية صورة من الصور . وأصل الصرف رد الشىء من حالة إلى حالة أخرى ، ولا تملكون له - أيضا - " نصرا " أى فردا من أفراد النصر لا من جهة أنفسكم ، ولا من جهة غيركم ، بل لقد حل بكم العذاب حلولا لا فكاك لكم منه بأى وسيلة من الوسائل . " ومن يظلم منكم " أى ومن يكفر بالله - تعالى - منكم أيها المكلفون بالإيمان " نذقه عذابا كبيرا " لا يقادر قدره فى الخزى والهوان . قال صاحب الكشاف هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام - فى قوله { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } حسنة رائعة ، خاصة إذا انضم إليها الالتفات ، وحذف القول ، ونحوها قوله - تعالى - { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ … } وقول القائل @ قالوا خراسان أقصى ما يُراد بنا ثم القُفُول فقد جئنا خراسانا @@ وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت الحجة على الكافرين بطريقة تخرس ألسنتهم ، وتجعلهم أهلا لكل ما يقع عليهم من عذاب أليم . ثم تعود السورة مرة أخرى إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى الرد على شبهات أعدائه فتقول { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ … } .