Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 200-212)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - { سَلَكْنَاهُ } من السَّلك بمعنى إدخال الشىء فى الشىء تقول سلكت الطريق إذا دخلت فيه . والضمير يعود إلى القرآن الكريم وقوله { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } نعت لمصدر محذوف . أى مثل ذلك الإِدخال العجيب ، أدخلنا القرآن فى قلوب المجرمين ، حيث جعلناهم - بسبب جحودهم وعنادهم - مع تأثرهم به واعترافهم بفصاحته ، لا يؤمنون به ، حتى يروا بأعينهم العذاب الأليم . ومنهم من يرى أن الضمير فى { سَلَكْنَاهُ } يعود إلى كفر الكافرين وتكذيبهم . والمعنى - كما يقول ابن كثير - كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد . أى أدخلناه فى قلوب المجرمين ، لا يؤمنون به . أى بالحق { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار . والرأيان متقاربان فى المعنى ، لأن المراد بالتكذيب على الرأى الثانى تكذيبهم بالقرآن ، إلا أن الرأى الأول أنسب بسياق الآيات ، وبانتظام الضمائر … ثم بين - سبحانه - أن نزول العذاب بالمجرمين سيكون مباغتا لهم فقال { فَيَأْتِيَهُم } أى العذاب { بَغْتَةً } فجأة وعلى غير توقع { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى بإتيانه بعد أن يحيط بهم . وعندئذ يقولون على سبيل التمنى والتحسر { هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } أى ليتنا نمهل قليلا لكى نصلح ما أفسدناه من أقوال وأعمال . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى التعقيب فى قوله { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَيَقُولُواْ … } . قلت ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته ، وسؤال النظرة فيه فى الوجود ، وإنما المعنى ترتبها فى الشدة ، كأنه قيل لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب ، فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة ، فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة . ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه إذا أسأت مقتك الصالحون ، فمقتك الله ، فإنك ، لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسىء ، وأنه يحصل له بسبب الإِساءة مقت الصالحين ، فما هو اشد من مقتهم وهو مقت الله … والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } للتوبيخ والتهكم بهؤلاء المجرمين . أبلغ الحمق والجهل بهؤلاء المجرمين أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم ، وقالوا لنا { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أى إن من يستعجل هلاك نفسه ، ويسعى إلى حتفه بظلفه ، لا يكون من العقلاء أبدًا . ثم بين - سبحانه - أن ما فيه هؤلاء المجرمون من متاع ونعمة ، سينسونه نسيانًا تاما عندما يمسهم العذاب المعد لهم ، فقال - تعالى - { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } . وقوله { أَفَرَأَيْتَ } معطوف على قوله { فَيَقُولُواْ . . } والاستفهام للتعجب من أحوالهم . والمعنى إن شأن هؤلاء المجرمين لموجب للعجب إنهم قبل نزول العذاب بهم يستعجلونه ، فإذا ما نزل بساحتهم قالوا - على سبيل التحسر والندم - هل نحن منظرون . اعلم - أيها الرسول الكريم - أننا حتى لو أمهلناهم وأخرناهم ، ثم جاءهم عذابنا بعد ذلك ، فإن هذا التمتع الذى عاشوا فيه . وذلك التأخير الذى لو شئنا لأجبناهم إليه … كل ذلك لن ينفعهم بشىء عند حلول عذابنا ، بل عند حلول عذابنا بهم سينسون ما كانوا فيه من متاع ومن نعيم ومن غيره . قال الإِمام ابن كثير وفى الحديث الصحيح يؤتى بالكافر فيغمس فى النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيراً قط ؟ هل رأيت نعيما قط ؟ فيقول لا والله يا رب . ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان فى الدنيا ، فيصبغ فى الجنة صبغة ، ثم يقال له هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول لا والله يا رب . ولهذا كان عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - يتمثل بهذا البيت @ كأنك لم تُؤتَر من الدهر ليلة إذا أنت أدركت الذى كنت تطلب @@ ثم بين - سبحانه - سنته التى لا تتخلف فقال { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } . وقوله { ذِكْرَىٰ } مفعول لأجله ، فيكون المعنى لقد اقتضت سنتنا وعدالتنا ، أننا لا نهلك قرية من القرى الظالم أهلها ، إلا بعد أن نرسل فى أهل تلك القرى رسلا منذرين ، لكى يذكروهم بالدين الحق … وليس من شأننا أن نكون ظالمين لأحد ، بل من شأننا العدالة والإِنصاف ، وتقديم النصيحة والإِرشاد والإِنذار للفاسقين عن أمرنا ، قبل أن ننزل بهم عذابنا . وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } وقوله - سبحانه - { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } ثم عادت السورة الكريمة إلى تأكيد أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - وردت شبهات المشركين بأسلوب منطقى رصين ، قال - تعالى - وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ . أى إن هذا القرآن الكريم ، ما تنزلت به الشياطين - كما يزعم مشركو قريش ، حيث قالوا إن لمحمد صلى الله عليه وسلم تابعا من الجن يخبره بهذا القرآن ويلقيه عليه - وإنما هذا القرآن نزل به الروح الأمين ، على قلبه صلى الله عليه وسلم . وإن الشياطين { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ } ذلك إذ هم يدعون إلى الضلالة والقرآن يدعو إلى الهداية { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } أن ينزلوا به ولا يقدرون على ذلك أصلا { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } أى إن هؤلاء الشياطين عن سماع القرآن الكريم لمعزولون عزلا تاما . فالشهب تحرقهم إذا ما حاولوا الاستماع إليه . كما قال - تعالى - { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } فأنت ترى أن الله - تعالى - قد صان كتابه عن الشياطين ، بأن بيَّن بأنهم ما نزلوا به ، ثم بيَّن - ثانيا أنهم ما يستقيم لهم النزول به لأن ما اشتمل عليه من هدايات يخالف طبيعتهم الشريرة ، ثم بين ثالثا - بأنهم حتى لو حاولوا ما يخالف طبيعتهم لما استطاعوا ، ثم بين - رابعا - بأنه حتى لو انبغى واستطاعوا حمله ، لما وصلوا إلى ذلك ، لأنهم بمعزل عن الاستماع إليه ، إذ ما يوحى به - سبحانه - إلى أنبيائه ، فالشياطين محجوبون عن سماعه ، وهكذا صان الله - تعالى - كتابه صيانة تامة . وحفظه حفظا جعله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . ثم نهى - سبحانه - عن الشرك بأبلغ وجه ، وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بأن يجهر بدعوته ، وبأن يتوكل عليه وحده - سبحانه - فقال { فَلاَ تَدْعُ … } .