Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 90-104)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - سبحانه - { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ … } من الإِزلاف بمعنى القرب والدنو . أى وقربت الجنة يوم القيامة للمتقين ، الذين صانوا أنفسهم عن كل مالا يرضاه الله - تعالى - ، وصارت بحيث يشاهدونها ويتلذذون برؤيتها . { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } أى أما الغاوون الذين استحبوا العمى على الهدى ، وآثروا الغواية على الهداية ، فقد برزت الجحيم لهم بأهوالها وسعيرها ثم قيل لهؤلاء الكافرين على سبيل التقريع والتأنيب { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أى أين الآلهة التى كنتم تعبدونها فى الدنيا من دون الله - تعالى - وتزعمون أنها شفعاؤكم عنده ؟ ! { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } الآن من هذا العذاب المعد لكم { أَوْ يَنتَصِرُونَ } هم من العذاب الذى سيحل بهم معكم ؟ . كلا ثم كلا ، إنكم وهم حصب جهنم ، وستدخلونها جميعا خاسئين . وليس المقصود بالسؤال الاستفهام ، وإنما المقصود به التقريع والتوبيخ ، ولذا لا يحتاج إلى جواب . ثم ذكر - سبحانه - ما حل بهؤلاء الأشقياء من عذاب فى أعقاب هذا التأنيب فقال { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } . والكبكبة تكرير الكب ، وهو الإِلقاء على الوجه مرة بعد أخرى ، وضمير الجمع للآلهة التى عبدها الكافرون من دون الله - تعالى - وجىء بضمير العقلاء على سبيل التهكم بهم ، أى فألقى المعبودون والعابدون فى جهنم ، ومعهم جنود إبليس كلهم سواء أكانوا من الشياطين أم من أتباعه من الجن والإِنس . وفى التعبير بكبكبوا تصوير صادق مؤثر لحالة هؤلاء الضالين ، وهم يتساقطون - والعياذ بالله - فى جهنم ، بلا رحمة ، ولا عناية ، ولا نظام ، بل بعضهم فوق بعض وقد تناثرت أشلاؤهم . ثم بين - سبحانه - ما قاله الغاوون لآلهتهم فقال { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . أى قال العابدون لمعبوديهم على سبيل المخاصمة لهم ، والتبرؤ منهم تالله ما كنا إلا فى ضلال مبين ، وقت أن كنا فى الدنيا نسويكم برب العالمين فى العبادة مع أنكم خلق من خلقه لا تضرون ولا تنفعون . { وَمَآ أَضَلَّنَآ } عن اتباع طريق الحق { إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } من شياطين الإِنس والجن ، الذين زينوا لنا الكفر والفسوق والعصيان ، وصدونا عن الإيمان والطاعة والهداية . { فَمَا لَنَا } اليوم { مِن شَافِعِينَ } يشفعون لنا عند ربنا . وما لنا - أيضا - من { صَدِيقٍ حَمِيمٍ } أى مخلص فى صداقته ، يدافع عنا عند ربنا ، ويهتم بأمرنا فى هذا الموقف العصيب . قال الآلوسى ، والمراد التلهف والتأسف على فقد شفيع يشفع لهم مما هم فيه ، أو صديق شفيق يهمه ذلك . وقد ترقوا لمزيد انحطاط حالهم فى التأسف ، حيث نفوا - أولا - أن يكون لهم من ينفعهم فى تخليصهم من العذاب بشفاعته ، ونفوا - ثانيا - أن يكون لهم من يهمه أمرهم ويشفق عليهم ، ويتوجع لهم ، أو يخلصهم . و { لَوْ } فى قوله - تعالى - { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً … } للتمنى الدال على كمال التحسر . والكرة الرجعة إلى الدنيا مرة أخرى لتدارك ما فاتهم من الإِيمان . أى فياليت لنا عودة إلى الدنيا مرة أخرى ، فنستدرك ما فاتنا من طاعة الله - تعالى { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الذين أزلفت الجنه لهم ، وأبعدت عنهم النار التى نحن مخلدون فيها . ثم ختم - سبحانه - قصة إبراهيم بما ختم به قصة موسى - عليهما السلام - فقال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ … } . إن فى ذلك الذى ذكرناه لك - أيها الرسول الكريم - عن حال إبراهيم مع قومه ومع أبيه ، وعن أهوال يوم القيامة ، إن ذلك كله لحجة وعظة لمن أراد أن يؤمن ويعتبر ، ومع ذلك فإن أكثر قوم إبراهيم ما كانوا مؤمنين { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من قصة نوح مع قومه ، فقال - تعالى - { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ … } .