Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 76-81)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام الرازى اعلم أنه - سبحانه - لما تمم الكلام فى إثبات المبدأ والمعاد . ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة ، ولما كانت الدلالة الكبرى فى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن ، لا جرم بين الله - تعالى - أولا كونه معجزة … أى إن هذا القرآن من معجزاته الدالة على أنه من عند الله - تعالى - أنه يقص على بنى إسرائيل ، الذين هم حملة التوراة والإِنجيل ، أكثر الأشياء التى اختلفوا فيها ، ويبين لهم وجه الحق والصواب فيما اختلفوا فيه . ومن بين ما اختلف فيه بنو إسرائيل اختلافهم فى شأن عيسى - عليه السلام - ، فاليهود كفروا به ، وقالوا على أمه ما قالوا من الكذب والبهتان ، والنصارى قالوا فيه إنه الله ، أو هو ابن الله ، فجاء القرآن ليبين لهم القول الحق فى شأن عيسى - عليه السلام - فقال من بين ما قاله { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ … } وقال - سبحانه - { يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } للإِشارة إلى أن القرآن ترك أشياء اختلفوا فيها دون أن يحكيها ، لأنه لا يتعلق بذكرها غرض هام يستدعى الحديث عنها ، ولأن فى عدم ذكرها سترا لهم ، عما وقعوا فيه من أخطاء … وقوله - تعالى - { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } صفة أخرى من صفات القرآن الكريم الدالة على أنه من عند الله - تعالى - أى وإن هذا القرآن لمن صفاته - أيضا - أننا جعلناه هداية للمؤمنين إلى الصراط المستقيم ، ورحمة لهم ينالون بسببها العفو والمغفرة من الله . وخص هدايته ورحمته بالمؤمنين ، لأنهم هم الذين آمنوا به ، وصدقوا بما فيه ، وعملوا بأوامره ، واجتنبوا نواهيه ، وطبقوا على أنفسهم أحكامه ، وآدابه ، وتشريعاته . ثم بين - سبحانه - أن مرد القضاء بين المختلفين إليه وحده فقال { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ … } . أى إن ربك - أيها الرسول الكريم - يقضى بين بنى إسرائيل الذين اختلفوا فيما بينهم اختلافا كبيرا ، بحكمه العادل ، كما يقضى بين غيرهم ، فيجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى . { وَهُوَ } - سبحانه - { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذى لا يغالب { ٱلْعَلِيمُ } بكل شىء فى هذا الوجود ، والفاء فى قوله - تعالى - { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ … } للتفريع . أى ما دمت قد عرفت ذلك - أيها الرسول الكريم - ففوض أمرك إلى العزيز العليم وحده ، وتوكل عليه دون سواه ، وبلغ رسالته دون أن تخشى أحدا إلا إياه . وجملة { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } تعليل للتوكل على الله وحده . أى توكل على الله - تعالى - وحده ، لأنك - أيها الرسول الكريم - على الحق الواضح البين ، الذى لا تحوم حوله شبهة من باطل . وقوله - تعالى - { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ … } تعليل آخر لوجوب التوكل على الله - تعالى - . وقد شبه - سحبانه - أولئك المشركين ، بالأموات الذين فقدوا الحياة ، وبالصم الذين فقدوا السمع ، وبالعمى الذين فقدوا البصر ، وذلك لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، فصاروا كالفاقدين لها . أى دم - أيها الرسول الكريم - على توكلك على الله - تعالى - وحده ، وإنك لا تستطيع أن تسمع هؤلاء المشركين . ما يردهم عن شركهم ، لأنهم كالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل ، ولأنهم كالصم الذين فقدوا نعمة السمع . وقوله { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } لتتميم التشبيه . وتأكيد نفى السماع . أى إذا أعرضوا عن الحق إعراضا تاما ، وأدبروا عن الاستماع إليك . قال الجمل فإن قلت ما معنى قوله { مُدْبِرِينَ } والأصم لا يسمع سواء أقبل أو أدبر ؟ . قلت هو تأكيد ومبالغة للأصم . وقيل إن الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع رفع الصوت ، أو يفهم بالإِشارة ، فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم . ومعنى الآية إنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت ، الذى لا سبيل إلى إسماعه ، وكالأصم الذى با يسمع ولا يفهم . وقوله - سبحانه - { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ … } أى وما أنت - أيها الرسول الكريم - بقادر على أن تصرف العمى عن طريق الضلال الذى انغمسوا فيه ، لأن الهداية إلى طريق الحق ، مردها إلى الله - تعالى - وحده . ثم بين - سبحانه - فى مقابل ذلك ، من هم أهل السماع والبصر فقال { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } . أى أنت - أيها الرسول الكريم - ما تستطيع أن تسمع إسماعا مجديا نافعا ، إلا لمن يؤمن بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، لأن هؤلاء هم المطيعون لأمرنا ، المسلمون وجوههم لنا . وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت الكثير من وسائل التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المشركين ، كما ساقت ما يدل على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - وعلى أنه - سبحانه - هو الحكم العدل بين عباده . ثم أخذت السورة الكريمة تسوق فى أواخرها بعض أشراط الساعة وعلاماتها ، وأهوالها ، لكى تعتبر النفوس ، وتخشع لله - تعالى - . فقال - عز وجل - { وَإِذَا وَقَعَ … } .