Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 89-93)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - سبحانه - { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } بيان وتفصيل لمظاهر علم الله - تعالى - لكل ما يفعله الناس ، الذى أشير إليه قبل ذلك بقوله { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } والمراد بالحسنة كل ما يقوله أو يفعله المسلم من قول طيب ، ومن عمل صالح ، فيشمل النطق بالشهادتين ، وأداء ما كلف الله الإِنسان بأدائه من فرائض وواجبات ، واجتناب السيئات والشبهات . أى من جاء بالفعلة الحسنة ، فله من الله - تعالى - ما هو خير منها من ثواب وعطاء حسن ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } فالمراد بما هو خير منها الثواب الذى يمنحه الله - تعالى - لمن أتى بها . وقوله - تعالى - { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } تقرير لما قبله ، وبشارة للمؤمنين الذين جاءوا بالحسنات ، بالأمان والاطمئنان . أى وهم من الفزع الكائن للناس فى يوم البعث والحساب ، آمنون مطمئنون ، كما قال - سبحانه - { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وكما قال - تعالى - { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من يأتى بالسيئات فقال { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } . قال ابن كثير قال ابن مسعود وأبو هريرة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم { مَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } أى الشرك . ولعل مما يؤيد أن المراد بالسيئة هنا الشرك . قوله - تعالى - { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } لأن هذا الجزاء الشديد ، يتناسب مع رذيلة الشرك - والعياذ بالله - . أى ومن جاء بالفعلة الشنيعة فى السوء ، وهى الإِشراك بالله { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } أى فألقوا بسبب شركهم فى النار على وجوههم منكوسين . يقال كب فلان فلانا على وجهه ، وأكبه ، إذا نكسه وقلبه على وجهه . وفى كبهم على وجوههم فى النار ، زيادة فى إهانتهم وإذلالهم لأن الوجه هو مجمع المحاسن ، ومحل المواجهة للغير . والاستفهام فى قوله - تعالى - { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } لزيادة توبيخهم وتقريعهم والجملة بإضمار قول محذوف . أى والذين جاءوا بالأفعال السيئة فى دنياهم ، يكبون على وجوههم فى النار يوم القيامة ، ويقال لهم على سبيل الزجر والتأنيب ما حل بكم من عذاب هو بسبب أعمالكم وشرككم . وكون المراد بالسيئة هنا الشرك ، لا يمنع من أن الذى يرتكب السيئات من المسلمين ، يعاقب عليها ما لم يتب منها فالله - تعالى - يقول { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } ثم يأمر الله - تعالى - نبيه أن يعلن للناس منهجه فى دعوته فيقول { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ … } . والمراد بالبلدة الذى حرمها مكة المكرمة التى عظم الله - تعالى - حرمتها ، فجعلها حرما آمنا ، لا يسفك فيها دم ، ولا يصاد فيها صيد ، ولا يعضد فيها شجر . وقوله { ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } صفة للرب . وخصت مكة بالذكر تشريفا لها ، ففيها البيت الحرام الذى هو أول بيت وضع فى الأرض . أى قل - أيها الرسول الكريم - للناس إن الله - تعالى - أمرنى أن أخلص لله - سبحانه - عبادتى ، فهو رب البلد الحرام مكة ، ورب كل شىء ، وله جميع ما فى هذا الكون خلقا ، وملكا ، وتصرفا . { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْآنَ } أى وأمرنى كذلك أن أكون من الثابتين على دينه ، المنقادين لأمره ، المسلمين له وجوههم ، وأمرنى - أيضا - أن أتلو القرآن على مسامعكم ، لأنه هو معجزتى الدالة على صدقى . { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } إلى الحق الذى جئته به ، وبينته له { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } أى فإن منافع هدايته تعود إلى نفسه . { وَمَن ضَلَّ } عن طريق الحق ، وأعرض عن دعوتى ، { فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } . أى ومن ضل عن الهدى بعد أن نصحته وأرشدته ، فقد أمرنى ربى أن أقول له إنما أنا من المنذرين للضالين بسوء العاقبة ، ولست عليهم بحفيظ ، أو بِمُكْرِهٍ إياهم على الإِيمان . ثم ختم السورة الكريمة بهذا التوجيه الكريم ، للرسول صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } . أى وقل - أيها الرسول الكريم - للناس الثناء كله ، والفضل كله ، لله - تعالى - وحده . وهو - سبحانه - { سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } الدالة على وحدانيته وقدرته { فَتَعْرِفُونَهَا } أى فتعرفون صدقها … وصدق الله - عز وجل - ففى كل يوم ، بل فى كل ساعة ، يرى عبادة بعض آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ، فى أنفسهم ، وفى آفاق هذا الكون وما أحكم قوله - تعالى - { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الجملة التى تحمل طابع التهديد والوعيد لمن خالف أمره ، فقال - تعالى - { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . أى وما ربك - أيها الرسول الكريم - بغافل عما يعمله الناس ، وما يقولونه لك ، وما يتهمونك به ، فسر فى طريقك ، وبلغ ما أمرك - سبحانه - بتبليغه ، فإن العاقبة لك ولأتباعك المؤمنين ، أما الكافرون والمنافقون فنحن الذى سنتولى حسابهم …