Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 44-45)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى خلق الله - تعالى - السماوات والأرض بالحق الذى لا باطل معه ، وبالحكمة التى لا يشوبها عبث أو لهو ، حتى يكون هذا الخلق متفقاً مع مصالح عبادنا ومنافعهم … ومن مظاهر ذلك ، أنك لا ترى - أيها العاقل - فى خلق الرحمن من تفاوت أو تصادم ، أو اضطراب . واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } يعود إلى خلق السماوات والأرض ، وما اشتملتا عليه من بدائع وعجائب . أى إن فى ذلك الذى خلقناه بقدرتنا ، من سماوات مرتفعة بغير عمد ، ومن أرض مفروشة بنظام بديع ، ومن عجائب لا يحصيها العد فى هذا الكون ، إن فى كل ذلك لآية بينة ، وعلامة واضحة ، على قدرة الله - عز وجل - . وخص المؤمنين بالذكر ، لأنهم هم المتدبرون فى هذه الآيات والدلائل ، وهم المنتفعون بها فى التعرف على وحدانية الله وقدرته ، وعلى حسن عبادته وطاعته . والمقصود بالتلاوة فى قوله - تعالى - { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } القراءة المصحوبة بضبط الألفاظ ، وبتفهم المعانى . والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ويشمل كل من آمن به . أى اقرأ - أيها الرسول الكريم - ما أوحينا إليك من آيات هذا القرآن قراءة تدبر واعتبار واتعاظ ، وداوم على ذلك ، ومر أتباعك أن يقتدوا بك فى المواظبة على هذه القراءة الصحيحة النافعة . { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أى وواظب على إقامة الصلاة فى أوقاتها بخشوع وإخلاص واطمئنان ، وعلى المؤمنين أن يقتدوا لك فى ذلك . وقوله { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَر } تعليل للأمر بالمحافظة على إقامة الصلاة بخشوع وإخلاص . أى دوام - أيها الرسول الكريم - على إقامة الصلاة بالطريقة التى يحبها الله - تعالى - ، فإن من شأن الصلاة التى يؤديها المسلم فى أوقاتها بشخوع وإخلاص ، أن تنهى مؤديها عن ارتكاب الفحشاء - وهى كل ما قبح قوله وفعله - ، وعن المنكر - وهو كل ما تنكره الشرائع والعقول السليمة - . قال الجمل " ومعنى نهيها عنهما ، أنها سبب الانتهاء عنهما لأنها مناجاة لله - تعالى - ، فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته ، وإعراض كلى عن معاصيه . قال ابن مسعود فى الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصى الله ، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ، ولم تنهه عن المنكر ، لم يزدد من الله إلا بعداً … وروى عن أنس - رضى الله عنه - أن فتى من الأنصار ، كان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم يأتى الفواحش ، فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم - فقال إن صلاته ستناه ، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله " . والخلاصة أن من شأن الصلاة المصحوبة بالإِخلاص والخشوع وبإتمام سننها وآدابها ، أن تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، فإن وجدت إنساناً يؤدى الصلاة ، ولكنه مع ذلك يرتكب بعض المعاصى ، فأقول لك إن الذنب ليس ذنب الصلاة ، وإنما الذنب ذنبه هذا المرتكب للمعاصى ، لأنه لم يؤد الصلاة أداء مصحوباً بالخشوع والإِخلاص . … وإنما أداها دون أن يتأثر بها قلبه … ولعلها تنهاه فى يوم من الأيام ببركة مداومته عليها ، كما جاء فى الحديث الشريف " إن الصلاة ستنهاه " . وقوله - سبحانه - { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أى ولذكر الله - تعالى - بجميع أنواعه من تسبيح وتحميد وتكبير وغير ذلك من ألوان العبادة والذكر ، أفضل وأكبر من كل شئ آخر ، لأن هذا الذكر لله - تعالى - فى كل الأحوال ، دليل على صدق الإِيمان ، وحسن الصلة بالله - تعالى - . قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } ، قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر … أى ولذكر الله - تعالى - إياكم ، أكبر من ذكركم إياه - سبحانه - … وروى عن جماعة من السلف أن المعنى ولذكر العبد لله - تعالى - ، أكبر من سائر الأعمال . أخرج الإِمام أحمد عن معاذ بن جبل قال ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله يوم القيامة ، من ذكر الله - تعالى - . وقيل المراد بذكر الله الصلاة . كما فى قوله - تعالى - { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } أى إلى الصلاة ، فيكون المعنى وللصلاة أكبر من سائر الطاعات ، وإنما عبر عنها به ، للإِيذان بأن ما فيها من ذكر الله - تعالى - هو العمدة فى كونها مفضلة على الحسنات ، نهاية عن السيئات " . ويبدو لنا أن المراد بذكر الله - تعالى - هنا ما يشمل كل قول طيب وكل فعل صالح ، يأتيه المسلم بإخلاص وخشوع ، وعلى رأس هذه الأقوال والأفعال التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ، والصلاة وما اشتملت عليه من أقوال وأفعال … وأن المسلم متى أكثر من ذكر الله - تعالى - ، كان ثوابه - سبحانه - له ، وثناؤه عليه ، أكبر وأعظم من كل قول ومن كل فعل . وقوله - سبحانه - { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } تذييل قصد به الترغيب فى إخلاص العبادة لله ، والتحذير من الرياء فيها . أى داوموا - أيها المؤمنون . على تلاوة القرآن الكريم ، بتدبر واعتبار ، وأقيموا الصلاة فى أوقاتها بخشوع وخضوع ، وأكثروا من ذكر الله - تعالى - فى كل أحوالكم ، فإن الله - تعالى - يعلم ما تفعلونه وما تصنعونه من خير أو شر ، وسيجازى - سبحانه - الذين آساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى . ثم أمر الله - تعالى - رسوله والمؤمنين . أن يجادلوا أهل الكتاب بالتى هى أحسن ، ما داموا لم يرتكبوا ظلماً ، وأقام - سبحانه - الأدلة على أن هذا القرآن من عنده وحده ، فقال { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ … إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ } .