Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 50-55)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومرادهم بالآيات فى قوله - تعالى - { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } الآيات الكونية ، كعصا موسى ، وناقة صالح . ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا . أى وقال المبطلون للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التعنت والعناد ، هلا جئتنا يا محمد بمعجزات حسية كالتى جاء بها بعض الأنبياء من قبلك ، لكى نؤمن بك ونتبعك ؟ وقوله { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } إرشاد من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى ما يرد به عليهم . أى قل - أيها الرسول - الكريم - فى ردك على هؤلاء الجاهلين ، إنما الآيات التى تريدونها عند الله - تعالى - وحده ، ينزلها حسب إرادته وحكمته ، أما أنا فإن وظيفتى الإِنذار الواضح بسوء مصير من أعرض عن دعوتى ، وليس من وظيفتى أن أقترح على الله - تعالى شيئاً . وقوله - سبحانه - { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ … } كلام مستأنف من جهته - تعالى - لتوبيخهم على جهالاتهم ، والاستفهام للإِنكار ، والواو للعطف على مقدر . والمعنى أقالوا ما قالوا من باطل وجهل ، ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب الناطق بالحق ، يتلى على مسامعهم صباح مساء ، ويديهم إلى ما فيه سعادتهم ، لو تدبروه وآمنوا به ، واتبعوا أوامره ونواهيه ؟ والتعبير بقوله - سبحانه - { يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } ، يشير إلى أن هذه التلاوة متجددة عليهم ، وغير منقطعة عنهم ، وكان فى إمكانهم أن ينتفعوا بها لو كانوا يعقلون . ولذا ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . أى إن فى ذلك الكتاب الذى أنزلناه عليك - أيها الرسول الكريم - ، والذى تتلوه عليهم صباح مساء ، لرحمة عظيمة ، وذكرى نافعة ، لقوم يؤمنون بالحق ، ويفتحون عقولهم للرشد ، لا للتعنت والجحود والعناد . ثم أرشده - سبحانه - إلى جواب آخر يرد به عليهم فقال { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } . اى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاهلين يكفينى كفاية تامة أن يكون الله - تعالى - وحده ، هو الشهيد بينى وبينكم على أنى صادق فيما أبلغه عنه ، وعلى أن هذا القرآن من عنده . وهو - سبحانه - { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } علماً لا يعزب عنه شئ ، وسيجازينى بما أستحقه من ثواب ، وسيجازيكم بما تستحقونه من عقاب . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ } وأعرضوا عن الحق { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } - تعالى - مع وضوح الأدلة على أنه - سبحانه - هو المستحق للعبادة والطاعة . الذين فعلوا ذلك { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } خسارة ليس بعدها خسارة ، حيث آثروا الغى على الرشد ، واستحبوا العمى على الهدى ، وسيكون أمرهم فرطاً فى الدنيا والآخرة . وقوله - عز وجل - { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ … } بيان للون آخر من ألوان انطماس بصيرة هؤلاء الكافرين ، ومن سفاهاتهم وجهالاتهم . أى أن هؤلاء المشركين لم يكتفوا تبكذيبك - أيها الرسول الكريم - بل أضافوا إلى ذلك ، التطاول عليك ، لسوء أدبهم ، وعدم فهمهم لوظيفتك . بدليل أنهم يطلبون منك أن تنزل عليهم العذاب بعجلة وبدون إبطاء ، على سبيل التحدى لك . كما قالوا فى موطن آخر { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ثم يبين الله - تعالى - حكمته فى تأخير عذابه عنهم إلى حين فيقول { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ … } . أى يستعجلك المشركون يا محمد فى نزول العذاب بهم ، والحق أنه لولا أجل مسمى ، ووقت معين ، حدده الله - تعالى - فى علمه لنزول العذاب بهم ، لجاءهم العذاب فى الوقت الذى طلبوه ، بدون إبطاء أو تأخير . ومع ذلك فقل لهم - أيها الرسول الكريم - إن هذا العذاب آت لا ريب فيه فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى - ، وإن هذا العذاب المدمر المهلك { لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى ليحلن عليهم فجأة وبدون مقدمات ، والحال أنهم لا يشعرون به ، بل ياتيهم بغتة فيبهتهم ، ويستأصل شأفتهم . ثم كرر - سبحانه - أقوالهم على سبيل التعجيب من حالهم ، والتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما لقيه منهم . فقال { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } . آى يستعجلونك - أيها الرسول الكريم - بالعذاب ، الذى لا يطلبه أحد فى ذهنه مثقال ذرة من عقل ، والحال أن ما استعجلوه سينزل بهم لا محالة ، وستحيط بهم جهنم من كل جانب . ثم بين - سبحانه - كيفية إحاطة جهنم بهم فقال { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ } . أى ستحيط بهم جهنم من كل جانب . يوم يحل بهم العذاب { مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } أى من جميع جهاتهم . { وَيِقُولُ } - سبحانه - لهم ، على سبيل التقريع والتأنيب { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أى تذوقوا العذاب المهين الذى كنتم تستعجلونه فى الدنيا والذى أحاط بكم من كل جانب بسبب أعمالكم القبيحة ، وأقوالكم الباطلة . وبعد أن بين - سبحانه - سوء عاقبة المكذبين ، الذين استعجلوا العذاب لجهلهم وعنادهم ، أتبع ذلك بتوجيه نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بالثبات على الحق فقال - تعالى - { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ … وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } .