Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 116-117)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالذين كفروا فى قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } جميع الكفار ، لأن اللفظ عام ، ولا دليل يقتضى تخصيصه بفريق من الكافرين دون فريق . والمراد من الإِغناء فى قوله { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } الدفع وسد الحاجة يقال أغنى فلان فلانا عن هذا الأمر ، إذا كفاه مؤنته ، ورفع عنه ما أثقله منه . أى إن الذين كفروا بما يجب الإِيمان به ، واغتروا بأموالهم وأولادهم فى الدنيا ، لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً - ولو يسيرا - من عذاب الله الذى سيحيق بهم يوم القيامة بسبب كفرهم وجحودهم . وقد أكد - سبحانه - عدم إغناء أموالهم ولا أولادهم عنهم شيئاً - فى وقت هم فى أشد الحاجة إلى من يعينهم ويدفع عنهم - بحرف " لن " المفيد لتأكيد النفى وخص الأموال والأولاد بالذكر ، لأن الكفار كانوا أكثر ما يكونون اغتراراً بالأموال والأولاد ، وقد حكى القرآن غرورهم هذا بأموالهم وأولادهم فى كثير من الآيات ، ومن ذلك قوله - تعالى - { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } ولأن من المتعارف عليه بين الناس أن الإِنسان يلجأ إلى ماله وولده عند الشدائد ، إذ المال يدفع به الإِنسان عن نفسه فى الفداء وما يشبهه من المغارم ، والأولاد يدافعون عن أبيهم لنصرته ممن يعتدى عليه . وكرر حرف النفى مع المعطوف فى قوله { وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } ، لتأكيد عدم غناء أولادهم عنهم ، ولدفع توهم ما هو متعارف من أن الأولاد لا يقعدون عن الذب عن آبائهم . فالمقصود من الجملة الكريمة نفى الانتفاع بالأموال والأولاد فى حالة اجتماعهما ، وفى حالة انفراد أحدهما عن الآخر ، لأن المال قد يكون أكثر نفعا فى مواضع خاصة ، والأولاد قد يكونون أكثر نفعا من المال فى مواطن أخرى ، فبتكرار النفى تأكد عدم انتفاع الكفار بهذين النوعين فى أية حال من الأحوال . فإن قيل لقد نص القرآن على أن الكفار لا تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة ، مع أن المؤمنين كذلك لا تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم فلماذا خص الكافرين بالذكر ؟ . فالجواب أن الكافرين هم الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم ، وهم الذين اعتقدوا أنهم سينجون من العقاب بسبب ذلك ، أما المؤمنون فإنهم لم يعتقدوا هذا الاعتقاد ، ولم يغتروا بما منحهم الله من نعم ، وإنما اعتقدوا أن الأموال والأولاد فتنة ، ولم يعتمدوا فى نجاتهم من عقاب الله يوم القيامة إلى على فضله ورحمته ، وعلى إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح . و { مِّنَ } فى قوله { مِّنَ ٱللَّهِ } ابتدائية ، والجار والمجرور متعلق بتغنى . وقوله { شَيْئاً } منصوب على أنه مفعول مطلق أى لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا من الاغناء والدفع . وتنكير { شَيْئاً } للتقليل . وقوله { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } تذييل قصد به بيان سوء عاقبتهم ، وما أعد لهم من عذاب شديد . أى وأولئك الكافرون المغترون بأموالهم وأولادهم ، هم أصحاب النار الذين سيلازمونها ويصلون سعيرها ، ولن يصرفهم من عذاب الله أى ناصر من أموال أو أولاد أو غيرهما . وقد أكد - سبحانه - هذا الحكم العادل بعدة مؤكدات منها التعبير باسم الإِشارة المتضمن السلب من كل قوة كانوا يعتزون بها ، ومنها ذكر مصاحبتهم للنار وخلودهم فيها أى ملازمتهم لها ملازمة أبدية ، ومنها ما اشتملت عليه الجملة الكريمة من معنى القصر أى أولئك أصحاب النار الذين يلازمونها ولا يخرجون منها إلى غيرها بل هم خالدون فيها . ثم ضرب - سبحانه - مثلا لبطلان ما كان ينفقه هؤلاء الكافرون من أموال فى الدنيا فقال { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أى من أموال فى وجوه الخير المختلفة ، كمواساة البائسين ، ودفع حاجة المحتاجين . و { مَا } موصولة ، والعائد محذوف ، والتقدير ، مثل ما ينفقونه . { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } أى كمثل ريح فيها برد شديد قاتل للنبات . وقيل الصر . الحر الشديد ، وقيل الصر صوت لهيب النار التى تحرق الثمار . وذكر - سبحانه - الصر على أنه فى الريح ، وأنها مشتملة عليه ، وهى له ظرف وهو مظروف ، للاشعار بأنها ريح لا تحمل عوامل النماء للزرع ، وإنما هى تحمل معها ما يهلكه . وقوله { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } أى أصابت زرع قوم ظلموا أنفسهم بالكفر وارتكاب المعاصى فدمرته وأهلكت ما فيه من ثمار وهم أحوج ما يكونون إلى هذا الزرع وتلك الثمار . والحرث هنا مصدر بمعنى المحروث ، وأصل كلمة حرث فلح الأرض وإلقاء البذر فيها ، ثم أطلقت على ما هو نتيجة لذلك وهو الزرع . وفى التعبير بقوله { ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } تذكير للسامعين ، وبعث لهم على ترك الظلم ، حتى لا يصابوا بمثل ما أصيب به أولئك الذين ظلموا أنفسهم من عقوبات رادعة ، وأضرار فادحة . ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أى أن الله - تعالى - ما ظلمهم حين لم يقبل نفقاتهم ، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بإيثارهم الكفر على الإِيمان ، ومن كان كذلك فلن يقبل الله منه شيئاً لأن الله تعالى ، إنما يتقبل من المتقين . والضمائر فى هذه الجملة الكريمة تعود على أولئك الكافرين الذين ينفقون أموالهم مقرونة بالوجوه المانعة من قبولها . وفى هذه الآية الكريمة تشبيه بليغ ، فقد شبه - سبحانه - حال ما ينفقه الكفار فى الدنيا - على سبيل القربة أو المفاخرة - شبه ذلك فى ضياعه وذهابه وقت الحاجة إليه فى الآخرة من غير أن يعود عليهم بفائدة ، بحال زرع لقوم ظالمين ، أصابته ريح مهلكة فاستأصلته ، ولم ينتفع أصحابه منه بشىء ، وهم أحوج ما يكونون إليه . قال صاحب الانتصاف أصل الكلام - والله أعلم - مثل ما ينفقون فى هذه الحياة الدنيا ، كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم ، فأصابته ريح فيها صر فأهلكته . ولكن خولف هذا النظم فى المثل المذكور لفائدة جليلة . وهى تقديم ما هو أهم لأن الريح التى هى مثل العذاب ، ذكرها فى سياق الوعيد والتهديد أهم من ذكر الحرث . فقدمت عناية بذكرها ، واعتماداً على أن الأفهام الصحيحة تستخرج المطابقة برد الكلام إلى أصله على أيسر وجه ومثل هذا فى تحويل النظم لمثل هذه الفائدة قوله - تعالى - { فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } ومثله - أيضا - . اعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه . والأصل أن تذكر إحداهما الأخرى وإن ضلت . وأن أدعم بها الحائط إذا مال ، وأمثال ذلك كثيرة " . وبعد أن بين - سبحانه - سوء عاقبة الكافرين أكمل بيان وأحكمه ، حذر المؤمنين من أهل الكتاب ومن على شاكلتهم ممن لا يريدون للإِسلام إلا الشرور والمضار فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .