Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-7)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سورة الروم من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد ذكرنا فى أكثر من سورة آراء العلماء فى هذه الحروف ، ورجحنا أن هذه الحروف قد ذكرها - سبحانه - فى افتتاح بعض السور القرآنية ، للتنبيه إلى أن هذا القرآن من عند الله ، لأن الله - تعالى - قد أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بمثل الحروف التى ينطق بها المشركون ، ومع ذلك فهم أعجز من أن يأتوا بسورة من مثله . وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ … } روايات منها ، ما رواه ابن جرير - بإسناده - عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال " كانت فارس ظاهرة على الروم . وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ، لأنهم أهل كتاب ، وهم أقرب إلى دينهم ، فلما نزلت { الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ … } قالوا يا أبا بكر . إن صاحبك يقول إن الروم تظهر على فارس فى بضع سنين قال صدق . قالوا هل لك أن نقامرك ؟ - أى نراهنك وكان ذلك قبل تحريم الرهان - فبايعوه على أربع قلائص - جمع قلوص ، وهى من الإِبل الشابة - إلى سبع سنين . فمضت السبع ولم يكن شئ . ففرح المشركون بذلك ، فشق على المسلمين ، فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال ما بضع سنين عندكم ؟ قالوا دون العشر . قال اذهب فزايدهم ، وازدد سنتين فى الأجل . قال فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بذلك " . وقال بعض العلماء اتفق المؤرخون من المسلمين وأهل الكتاب على ان ملك فارس كان قد غزا بلاد الشام مرتين فى سنة 613 ، وفى سنة 614 ، أى قبل الهجرة بسبع سنين ، فحدث أن بلغ الخبر مكة . ففرح المشركون ، وشمتوا فى المسلمين … فنزلت هذه الآيات . فلم يمض من البضع - وهو ما بين الثلاث إلى التسع - سبع سنين ، إلا وقد انتصر الروم على الفرس ، وكان ذلك سنة 621م . أى قبل الهجرة بسنة . وأدنى بمعنى أقرب . والمراد بالأرض أرض الروم . أى غلبت الروم فى أقرب أرضها من بلاد الفرس . قال ابن كثير وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم ، حين غلبت الروم ، بين أذرعات وبصرى ، - على ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما - ، وهى طرف بلاد الشام ممايلى الحجاز . وقال مجاهد كان ذلك فى الجزيرة ، وهى أقرب بلاد الروم من فارس . وقال الآلوسى والمراد بالأرض . أرض الروم ، على أن " أل " نائبة مناب الضمير المضاف إليه ، والأقربية بالنظر إلى أهل مكة ، لأن الكلام معهم . أو المراد بها أرض مكة ونواحيها ، لأنها الأرض المعهودة عندهم ، والأقربية بالنظر إلى الروم . وقوله - تعالى - { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } بشارة من الله - تعالى - للمؤمنين ، بأن الله - تعالى - سيحقق لهم ما يرجونه من انتصار الروم على الفرس . أى وهم - أى الروم - من بعد هزيمتهم من الفرس ، سينتصرون عليهم ، خلال بضع سنين . والتعبير بقوله - تعالى - { سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } ، لتأكيد هذا الوعد ، وبيان أن نصر الروم على فارس سيتم خلال سنوات قليلة من عمر الأمم ، وقد تحقق هذا الوعد ، على أكمل صورة وأتمها ، فقد انتصر الروم على الفرس نصرا عظيما ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - حيث أخبر عن أمور ستقع فى المستقبل ، وقد وقعت كما أخبر . وقوله - سبحانه - { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } جملة معترضة لبيان قدرة الله - تعالى - التامة النافذة ، فى كل وقت وآن . أى لله - تعالى - وحده الأمر النافذ من قبل انتصار الفرس على الروم ، ومن بعد انتصار الروم على الفرس وكلا الفريقين كان نصره أو هزيمته بإرادة الله ومشيئته ، وليس لأحد من الخلق أن يخرج عما قدره - سبحانه - وأراده . { وَيَوْمَئِذٍ } أى ويوم أن يتغلب الروم على الفرس { يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ } حيث نصر أهل الكتاب وهم الروم ، على من لا كتاب لهم وهم الفرس ، الذين كانوا يعبدون النار فأبطل - سبحانه - بهذا النصر شماتة المشركين فى المسلمين ، وازداد المؤمنون ثباتا على ثباتهم . قال ابن كثير وقد كانت نصرة الروم على فارس ، يوم وقعة بدر ، فى قول طائفة كبيرة من العلماء … فلما انتصرت الروم على فارس ، فرح المؤمنون بذلك ، لأن الروم أهل كتاب فى الجملة ، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس . وقوله - سبحانه - { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } مؤكد لما قبله . أى ينصر - سبحانه - من يريد نصره ، ويهزم من يريد هزيمته ، وهو ، العزيز الذى لا يغلبه غالب ، الرحيم الذى وسعت رحمته كل شئ . ثم زاد - سبحانه - هذا الأمر تأكيدا وتقوية فقال { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } . ولفظ " وعد " منصوب بفعل محذوف . أى وعد الله المؤمنين بالنصر وبالفرح وعدا مؤكدا ، وقد اقتضت سنته - سبحانه - أنه لا يخلف وعده . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك ، لا نطماس بصائرهم ، ولاستيلاء الجهل على عقولهم ، ولاستحواذ الشيطان عليهم . والضمير فى قوله - تعالى - { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يعود للأكثر من الناس . أى هؤلاء الأكثرون من الناس ، من أسباب جهلهم بسنن الله - تعالى - فى خلقه ، أنهم لا يهتمون إلا بملاذ الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها ، ووسائل المعيشة فيها . { وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ } وما فيها من حساب وثواب وعقاب { هُمْ غَافِلُونَ } لأنهم آثروا الدار العاجلة ، على الدار الباقية ، فهم - كما قال - تعالى - { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } قال صاحب الكشاف ما ملخصه وقوله { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً } بدل من قوله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . وفى هذا الإِبدال من النكتة أنه أبدله منه ، وجعله بحيث يقوم مقامه ، ويسد مسده . ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذى هو الجهل ، وبين وجود العلم الذى لا يتجاوز الدنيا … وفى تنكير قوله { ظَاهِراً } إشارة إلى أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهر الحياة الدنيا . فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الكافرين وأشباههم ، انهماكهم فى شئون الدنيا انهماكا تاما ، جعلهم غافلين عما ينتظرهم فى أخراهم من حساب وعقاب . ورحم الله القائل @ ومن البلية أن ترى لك صاحبا فى صور الرجل السميع المبصر فطن بكل مصيبة فى ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر @@ ثم حضهم - سبحانه - على التفكر فى خلق أنفسهم ، وعلى التفكير فى ملكوت السماوات والأرض ، لعل هذا التفكر والتدبر يهديهم إلى الصراط المستقيم ، فقال - تعالى - { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ … بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } .