Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 18-22)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والاستفهام فى قوله { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً … } للإِنكار ، والفسوق الخروج عن طاعة الله . أى أفمن كان فى هذه الدنيا مؤمناً بالله حق الإِيمان ، كمن كان فيها فاسقاً وخارجاً عن طاعة الله - تعالى - وعن دينه الذى ارتضاه لعباده ؟ كلا ، إنهم لا يستوون لا فى سلوكهم وأعمالهم ، ولا فى جزائهم الدنيوى أو الأخروى . وقد ذكروا أن هذه الآية نزلت فى شأن الوليد بن عقبة ، وعلى بن أبى طالب - رضى الله عنه - ، حيث قال الوليد لعلى أنا أبسط منك لساناً ، وأحد سنانا ، وأملأ فى الكتيبة جسداً ، فقال له على اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فنزلت هذه الآية . ثم فصل - سبحانه - حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة الفاسقين ، فقال { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله حق الإِيمان { وَعَمِلُواْ } الأعمال { ٱلصَّالِحَاتِ } . { فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ } أى فلهم الجنات التى يأوون إليها ، ويسكنون فيها { نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والنزل أصله ما يهيَّأ للضيف النازل من الطعام والشراب والصلة ، ثم عمم فى كل عطاء . أى فلهم جنات المأوى ينزلون فيها نزولاً مصحوباً بالتكريم والتشريف جزاء أعمالهم الصالحة التى عملوها فى الدنيا . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } أى خرجوا عن طاعتنا ، وعن دعوة رسولنا صلى الله عليه وسلم . { فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } أى فمنزلتهم ومسكنهم ومستقرهم النار وبئس القرار . { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ } هرباً من لهيبها وسعيرها وعذابها . { أُعِيدُواْ فِيهَا } مرغمين مكرهين ، وردوا إليها مهانين مستذلين . { وَقِيلَ لَهُمْ } على سبيل الزجر والتأنيب وزيادة الحسرة فى قلوبهم . { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } فى الدنيا ، وتستهزئون بمن ينذركم به ، ويخوفكم منه . { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } أى الأهون والأقرب والأقل وهو عذاب الدنيا ، عن طريق ما ننزله بهم من أمراض وأسقام ومصائب متنوعة . { دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } أى الاشد والأعظم والأبقى ، وهو عذاب الآخرة . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عما هم فيه من شرك وكفر وفسوق وعصيان . ثم بين - سبحانه - حال من يدعى إلى الهدى فيعرض عنه ، فقال { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } . أى لا أحد أشد ظلماً وكفراً ممن ذكره المذكر بالآيات الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وعلى أن دين الإِسلام هو الحق ، ثم أعرض عنها جحوداً وعناداً . { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } أى إنَّا من أهل الإِجرام والجحود لآياتنا منتقمون انتقاماً يذلهم ويهينهم . قال صاحب الكشاف " ثم " فى قوله { ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } للاستبعاد . والمعنى أن الإِعراض عن مثل آيات الله ، فى وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل ، والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد فى العقل والعدل . كما تقول لصاحبك وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها ، استبعاداً لتركه الانتهاز . ومنه " ثم " فى بيت الحماسة @ لا يشكف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها @@ استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها . فإن قلت هلا قيل إنا منه منتقمون ؟ قلت لما جعله أظلم كل ظالم ، ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم ، فقد دل على إصابة الأظلم بالنصيب والأوفر من الانتقام ، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الإِفادة . ثم أشارت السورة الكريمة بعد ذلك إلى ما أعطاه الله - تعالى - لنبيه موسى - عليه السلام - من نعم . وما منحه للصالحين من قومه من منن ، فقال - تعالى - { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ … فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .