Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 41-44)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمقصود بذكر الله - تعالى - فى قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } ما يشمل التهليل والتحميد والتكبير وغير ذلك من القوال والأفعال التى ترضيه - عز وجل - . أى يا من آمنتم بالله حق الإِيمان اكثروا من التقرب إلى الله - تعالى - بما يرضيه ، فى كل أوقاتكم وأحوالكم ، فإن ذكر الله - تعالى - هو طب النفوس ودواؤها ، وهو عافية الأبدان وشفاؤها ، به تطمئن القلوب ، وتنشرح الصدور … والتعبير بقوله { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } يشعر بأن من شأن المؤمن الصادق فى إيمانه ، أن يواظب على هذه الطاعة مواظبة تامة . ومن الأحاديث التى وردت فى الحض على الإِكثار من ذكر الله ، ما رواه الإِمام أحمد عن أبى الدرداء … رضى الله عنه … قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها فى درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرِقِ - أى الفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ، قالوا وما هو يا رسول الله ؟ قال ذكر الله - عز وجل - " . وعن عمرو بن قيس قال سمعت عبد الله بن بسر يقول " جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله ، أى الناس خير ؟ قال " من طال عمره وحسن عمله " . وقال الآخر يا رسول الله ، إن شرائع الإِسلام قد كثرت علينا ، فمرنى بأمر أتشبث به . قال " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله " . وقال ابن عباس لم يفرض الله - تعالى - فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها فى حال العذر ، غير الذكر ، فإن الله - تعالى - لم يجعل له حدا ينتهى إليه ، ولم يعذر أحداً فى تركه إلا مغلوبا على عقله ، وأمرهم به فى الأحوال كلها . فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ … } وقال - سبحانه - { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلاَةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ … } أى بالليل وبالنهار ، فى البر والبحر ، وفى السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال … وقوله { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } معطوف على { ٱذْكُرُواْ … } والتسبيح التنزيه . مأخوذ من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء . فالمسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء . والبكرة أول النهار . والأصيل أخره . أى اكثروا - أيها المؤمنون - من ذكر الله - تعالى - فى كل أحوالكم ، ونزهوه - سبحانه - عن كل ما لا يليق به ، فى أول النهار وفى آخره . وتخصيص الأمر بالتسبيح فى هذين الوقتين ، لبيان فضلهما ، ولمزيد الثواب فيهما ، وهذا لا يمنع أن التسبيح فى غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله - تعالى - . - وأيضا - خص - سبحانه - التسبيح بالذكر مع دخوله فى عموم الذكر ، للتنبيه على مزيد فضله وشرفه … قال صاحب الكشاف والتسبيح من جملة الذكر . وإنما اختصه - تعالى - من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة ، ليبين فضله على سائر الأذكار ، لأنه معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال … وقوله - سبحانه - { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ … } استئناف جار مجرى التعليل لما قبله ، من الأمر بالإِكثار من الذكر ومن التسبيح . والصلاة من الله - تعالى - على عباده معناها الرحمة بهم ، والثناء عليهم ، كما أن الصلاة من الملائكة على الناس معناها الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة . قال القرطبى قوله - تعالى - { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } … قال ابن عباس لما نزل { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ … } قال المهاجرون والأنصار هذا لك يا رسول الله خاصة ، وليس لنا فيه شئ ، فأنزل الله هذه الآية . ثم قال القرطبى قلت وهذه نعمة من الله - تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم ، ودليل على فضلها على سائر الأمم . وقد قال { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } والصلاة من الله على العبد هى رحمته له ، وبركته لديه . وصلاة الملائكة دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم ، كما قال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } وقوله { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } متعلق بقوله { يُصَلِّي } أى يرحمكم - سبحانه - برحمته الواسعة ، ويسخر ملائكته للدعاء لكم ، لكى يخرجكم بفضله ومنته ، من ظلمات الظلال والكفر إلى النور والهداية والإِيمان . { وَكَانَ } - سبحانه - وما زال { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } رحمة عظيمة واسعة ، تشمل الدنيا والآخرة . أما رحمته لهم فى الدنيا فمن مظاهرها هدايته إياهم إلى الصراط المستقيم . وأما رحمته - سبحانه - لهم فى الآخرة فمن مظاهرها أنهم يأمنون من الفزع الأكبر . وفى صحيح البخارى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبى قد أخذت صبيا لها فألصقته إلى صدرها وأرضعته فقال " أترون هذه تلقى ولدها فى النار وهى تقدر على ذلك ؟ قالوا لا . قال فوالله لله أرحم بعباده من هذه لولدها " . ثم بين - عز وجل - ما أعده للمؤمنين فى الآخرة فقال { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } . والتحية أن يقول قائل للشخص حياك الله ، أى جعل لك حياة طيبة . وهذه التحية للمؤمنين فى الآخرة ، تشمل تحية الله - تعالى - لهم ، كما فى قوله - سبحانه - { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } وتشمل تحية الملائكة لهم ، كما فى قوله - تعالى - { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } كما تشمل تحية بعضهم لبعض كما فى قوله - عز وجل - { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أى تحية المؤمنين يوم يلقون الله - تعالى فى الآخرة ، أو عند قبض أرواحهم ، سلام وأمان لهم من كل ما يفزعهم أو يخيفهم أو يزعجهم … { وَأَعَدَّ لَهُمْ } - سبحانه - يوم القيامة { أَجْراً كَرِيماً } هو الجنة التى فيها مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ثم وجه - سبحانه - نداء إلى النبى صلى الله عليه وسلم حدد له فيه وظيفته ، وأمره بتبشير المؤمنين بما يسرهم ، ونهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ … وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً } .