Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 6-6)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أى النبى صلى الله عليه وسلم أحق بالمؤمنين بهم من أنفسهم وأولى فى المحبة والطاعة ، فإذا ما دعاهم إلى أمر ، ودعتهم أنفسهم إلى خلافه ، وجب أن يؤثروا ما دعاهم إليه ، على ما تدعوهم إليه أنفسهم ، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلا إلى ما ينفعهم ، أما أنفسهم فقد تدعوهم إلى ما يضرهم . وفى الحديث الصحيح الذى رواه الإِمام مسلم عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن مثلى ومثل أمتى ، كمثل رجل استوقد نارا ، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه - أى فى الشئ المستوقد - وأنا آخذ بِحُجزكم - أى وأنا آخذ بما يمنعكم من السقوط كملابسكم ومعاقد الإِزار - وأنتم تقحمون فيه " أى وأنتم تحاولون الوقوع فيما يحرقكم - . قال القرطبى قال العلماء الحجزة السراويل ، والمعقد للإِزار ، فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه ، وهذا مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم فى نجاتنا ، وحرصه على تخليصنا من الهلكات التى بين أيدينا ، فهو أولى بنا من أنفسنا . وقال الإِمام ابن كثير . قد علم الله - تعالى - شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، ونصحه لهم فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم . وفى الصحيح " والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين " . وروى البخارى عن هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة . اقرءوا إن شئتم { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى فأنا مولاه " . وروى الإِمام أحمد عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك دينا فإلى ، ومن ترك مالا فلورثته " . وقال الآلوسى وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فى حق المؤمنين ، يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وحكمه - عليه الصلاة والسلام - عليهم أنفذ من حكمها ، وحقه آثر لديهم من حقوقها ، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها . وسبب نزول الآية - على ما قيل - ما روى من أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك ، فأمر الناس بالخروج فقال أناس منهم نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنلزت . ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم ، فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى . ثم بين - سبحانه - منزلة أزواجه صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمؤمنين فقال { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أى وأزواجه صلى الله عليه وسلم بمنزلة أمهاتكم - أيها المؤمنون - فى الاحترام والإِكرام ، وفى حرمة الزواج بهن . قالوا وأما ما عدا ذلك كالنظر إليهن ، والخلوة بهن ، وإرثهن . فهن كالأجنبيات . ثم بين - سبحانه - أن التوارث إنما يكون بين الأقارب فقال - تعالى - { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } . والمراد بأولى الأرحام الأقارب الذين تربط بينهم رابطة الرحم كالآباء والأبناء والإِخوة ، والأخوات . وقوله { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } متعلق بقوله { أَوْلَىٰ } أو بمحذوف على أنه حال من الضمير فى { أَوْلَىٰ } . والمراد بالمؤمنين والمهاجرين . من لا تربط بينهم وبين غيرهم رابطة قرابة . قال ابن كثير وقد أورد ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام قال أنزل الله - عز وجل - فينا خاصة معشر قريش والأنصار { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } وذلك أنا معشر قريش ، لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإِخوان ، فواخيناهم ووارثناهم … حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا . وشبيه بهذه الآية فى وجوب أن يكون التوارث بحسب قرابة الدم ، قوله - تعالى - فى آخر آية من سورة الأنفال { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } والاستثناء فى قوله - سبحانه - { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } رجح بعضهم أنه استثناء منقطع . وقوله { أَن تَفْعَلُوۤاْ } مبتدأ ، وخبره محذوف . والمراد بالكتاب فى قوله { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } القرآن الكريم ، أو اللوح المحفوظ . والمعنى وأولو الأرحام وهم الأقارب ، بعضهم أولى ببعض فى التوارث فيما بينهم ، وفى تبادل المنافع بعضهم مع بعض ، وهذه الأولية والأحقية ثابتة فى كتاب الله - تعالى - حيث بين لكم فى آيات المواريث التى بسورة النساء ، كيفية تقسيم التركة بين الأقارب ، وهم بهذا البيان أولى فى ميراث الميت من المؤمنين والمهاجرين الذين لا تربطهم بالميت صلة القرابة . هذا هو حكم الشرع فيما يتعلق بالتوارث ، لكن إذا أردتم - أيها المؤمنون - أن تقدموا إلى غير أقاربكم من المؤمنين معروفا ، كأن توصوا له ببعض المال فلا بأس ، ولا حرج عليكم فى ذلك . وهذا الحكم الذى بيناه لكم فيما يتعلق بالتوارث بين الأقارب ، كان مسطورا ومكتوبا فى اللوح المحفوظ ، وفى آيات القرآن التى سبق نزولها ، فاعملوا بما شرعناه لكم ، واتركوا ما نهيناكم عنه . قال الشوكانى ما ملخصه قوله { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } هذا الاستثناء إما متصل من أعم العام ، والتقدير وأولو الأرحام بعضهم اولى ببعض فى كل شئ من الإِرث وغيره ، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ، من صدقة أو وصية ، فإن ذلك جائز . وإما منقطع . والمعنى لكن فعل المعروف للأولياء لا بأس به . والإِشارة بقوله { كَانَ ذَلِكَ } تعود إلى ما تقدم ذكره . أى كان نسخ الميراث بالهجرة والمخالفة والمعاقدة ، ورده إلى ذوى الأرحام من القرايات { فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } أى فى اللوح المحفوظ ، أو فى القرآن مكتوبا . وبذلك نرى الآية الكريمة قد وضحت ما يجب على المؤمنين نحو نبيهم ، وما يجب عليهم نحو أزواجه ، وما يجب عليهم نحو أقاربهم فيما يتعلق بالتوارث . ثم ذكر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بالعهد الذى أخذه عليه وعلى الأنبياء من قبله ، فقال - تعالى - { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ … عَذَاباً أَلِيماً } .