Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 51-54)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجواب { لَوْ } محذوف . وكذلك مفعول { تَرَىٰ } . والفزع حالة من الخوف والرعب تعترى الإِنسان عندما يشعر بما يزعجه ويخفيه . والفوت النجاة والمهرب ، وهذا الفزع للكافرين يكون عند خروجهم من قبورهم للبعث والحساب ، أو عند قبض أرواحهم . أى ولو ترى - أيها العاقل - حال الكافرين ، وقت خروجهم من قبورهم للحساب ، وقد اعتراهم الفزع والهلع … لرأيت شيئا هائلا ، وأمرا عظيما … وقوله { فَلاَ فَوْتَ } أى فلا مهرب لهم ولا نجاة يومئذ من الوقوف بين يدى الله - تعالى - للحساب ، ولمعاقبتهم على كفرهم وجحودهم … وقوله { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } معطوف على { فَزِعُواْ } أى فزعوا دون أن ينفعهم هذا الفزع ، وأخذوا ليلقوا مصيرهم السيئء من مكان قريب من موقف الحساب . قال الآلوسى والمراد بذكر قرب المكان ، سرعة نزول العذاب بهم والاستهانة بهم وبهلاكهم ، وإلا فلا قرب ولا بعد بالنسبة إلى الله - عز وجل - … " . { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ } أى وقال هؤلاء الكافرون عندما رأوا العذاب المعد لهم فى الآخرة آمنا بالله - تعالى - وبأنه هو الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذى لا معبود بحق سواه ، وآمنا بهذا الدين الذى جاءنا به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله - سبحانه - { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } بيان لعدم انتفاعهم بما قالوه من إظهار الإِيمان فى هذا الوقت . والتناوش التناول . يقال فلان ناشٍ الشئ ينوشه نوشا إذا تناوله . ومنه قولهم تناشوا بالرماح ، أى تناول بعضهم بعضاً بها . أى لقد قالوا بعد البعث آمنا بهذا الدين ، ومن أين لهم فى الآخرة تناول الإِيمان والتوبة من الكفر ، وكان ذلك قريباً منهم فى الدنيا فضيعوه ، وكيف يظفرون به فى الآخرة وهى بعيدة عن دار الدنيا التى هى محل قبول الإِيمان . فالجملة الكريمة تمثيل لحالهم فى طلب الخلاص بعد أن فات أوانه ، وأن هذا الطلب فى نهاية الاستبعاد كما يدل عليه لفظ { أَنَّىٰ } . قال صاحب الكشاف والتناوش والتناول أخوان . إلا أن التناوش تناول سهل لشئ قريب … وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم فى هذا الوقت ، كما ينفع المؤمنين إيمانهم فى الدنيا . مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشئ من غلوة - أى من كان بعيد - ، كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه … " . وقوله - سبحانه - { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } أى قالوا آمنا بأن يوم القيامة حق ، والحال أنهم قد كفروا به من قبل فى الدنيا ، عندما دعاهم إلى الإِيمان به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله - تعالى - { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } بيان لما كانوا عليه فى الدنيا من سفاهة فى القول ، وجرأة فى النطق بالباطل ، وفيما لا علم لهم به . والعرب تقول لكل من تكلم فيما لا يعلمه هو يقذف ويرجم بالغيب ، والجملة الكريمة معطوفة على قوله { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } . أى لقد كفروا بهذا الدين فى الدنيا ، وكانوا ينطقون بأقوال لا علم لهم بها ، وبينها وبين الحق والصدق مسافات بعيدة ، فقد نسبوا إلى الله - تعالى - الولد والشريك ، ويقولون فى الرسول صلى الله عليه وسلم إنه ساحر … ، وفى شأن البعث إنه لا حقيقة له ، وفى شأن القرآن إنه أساطير الأولين . فالمقصود بالآية تقريعهم وتجهيلهم ، على ما كانوا يتفوهون به من كلام ساقط ، بينه وبين الحقيقة مسافات بعيدة . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان حرمانهم التام مما يشتهونه فقال { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ } . وقوله { حِيلَ } فعل بمنى للمجهول مأخوذ من الحول بمعنى المنع والحجز . تقول حال الموج بينى وبين فلان . أى منعنى من الوصول إليه ، ومنه قوله - تعالى - { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } أى وحجز وفصل بين هؤلاء المشركين يوم القيامة { وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } ويتمنون من قبول إيمانهم فى هذا اليوم ، أو من العفو عنهم فى هذا اليوم ، أو من العفو عنهم ورجوعهم إلى الدنيا … حيل بينهم وبين كل ذلك ، { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } أى كما هو الحال بالنسبة لأمثالهم ونظرائهم الذين سبقوهم فى الكفر . { إِنَّهُمْ كَانُواْ } جميعاً على نمط واحد { فِي شَكٍّ } من أمر هذا الدين { مَّرِيبٍ } أى موقع فى الريبة . وبعد فهذا تفسير وسيط لسورة " سبأ " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .