Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 42-45)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال القرطبى قوله - تعالى - { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ … } هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم حين بلغهم أن أهل الكتاب ، كذبوا رسلهم ، فلعنوا من كذب نبيه منهم … " . و { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أى أقوى أيمانهم وأغلظها والجهد الطاقة والوسع والمشقة . يقال جهد نفسه يجهدها فى الأمر ، إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه . والمراد أنهم أكدوا الأيمان ووثقوها ، بكل ألفاظ التوكيد والتوثيق . أى أن كفار مكة ، أقسموا بالله - تعالى - قسماً مؤكداً موثقاً مغلظاً ، { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } أى نبى ينذرهم بأن الكفر باطل وأن الإِيمان بالله هو الحق . { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ } سبيلا { مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } أى ليكونن أهدى من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم فى اتباعهم وطاعتهم ، لهذا الرسول الذى يأتيهم من عند ربهم لهدايتهم إلى الصراط المستقم . { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذى هو أشرف الرسل . { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } أى ما زادهم مجيئه لهم إلا نفورا عن الحق ، وتباعدا عن الهدى . أى أنهم قبل مجئ الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتمنون أن يكون الرسول منهم ، لا من غيرهم ، وأقسموا بالله بأنهم سيطيعونه فلما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم نفروا عنه ولم يؤمنوا به . وإنما كان القسم بالله - تعالى - غاية أيمانهم ، لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وبأصنامهم ، فإذا اشتد عليهم الحال ، وأرادوا تحقيق الحق ، حلفوا بالله - تعالى - . وقوله { لَّيَكُونُنَّ } جواب القسم المقدر . وقوله { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } جواب لمَّا . وقوله - تعالى - { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ } بدل من { نُفُوراً } أو مفعول لأجله { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } معطوف على استكبارا . والمراد بمكرهم السيئ تصميمهم على الشرك ، تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، من أجل المعاندة للحق ، والاستكبار عنه ، ومن أجل المكر السيئ الذى استولى على نفوسهم ، والحق الدفين الذى فى قلوبهم . وقوله { ٱلسَّيِّىءِ } صفة لموصوف محذوف . وأصل التركيب وأن مكروا المكر السيئ ، فأقيم المصدر مقام أن والفعل ، وأضيف إلى ما كان صفة له . وقوله - تعالى - { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } بيان لسوء عاقبة مكرهم ، وأن شره ما نزل إلا بهم . وقوله { يَحِيقُ } بمعنى يحيط وينزل . يقول حاق بفلان الشئ ، إذا أحاط ونزل به . أى ولا ينزل ولا يحيط شر لك المكر السيئ إلا بأهله الماكرين . قال صاحب الكشاف لقد حاق بهم يوم بدر . وعن النبى صلى الله عليه وسلم " لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا ، فإن الله - تعالى - يقول { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً ، فإن الله - تعالى - يقول { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } " . وقال الآلوسى - رحمه الله - والاية عامة على الصحيح ، والأمور بعواقبها ، والله - تعالى - يمهل ولا يهمل ، ووراء الدنيا الآخرة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون . وبالجملة من مكر به غيره ، ونفذ فيه المكر عاجلاً فى الظاهر ، ففى الحقيقة هو الفائز ، والماكر هو الهالك . وقوله - تعالى - { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ } حض لهم على الاستجابة للحق ، وترك المكر والمخادعة والعناد . والسنة الطريقة … أى إذا كان الأمر كما ذكرنا ، فهل ينتظر هؤلاء الماكرون ، إلا طريقتنا فى الماكرين من قبلهم . وهى إهلاكهم ونزول العذاب والخسران بهم ؟ إنهم ما ينتظرون إلا ذلك . وقوله - سبحانه - { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } تأكيد لثبات سنته - تعالى - فى خلقه ، وتعليل لما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب . أى هذه سنتنا وطريقتنا فى الماكرين والمكذبين لرسلهم ، أننا نمهلهم ولا نهملهم ، ونجعل العاقبة السيئة لهم . ولن تجد لسنة الله - تعالى - فى خلقه تبديلا بأن يضع غيرها مكانها ، ولن تجد لها تحويلا عما سارت عليه وجرت به . قال الجمل ما ملخصه قوله { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ } مصدر مضاف لمفعوله تارة كما هنا ، ولفاعله أخرى كقوله { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } لأنه - تعالى - سنها بهم ، فصحت إضافتها للفاعل وللمفعول ، والفاء فى قوله { فَلَن تَجِدَ } لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب . ونفى وجدان التبديل والتحويل ، عبارة عن نفى وجودهما بالطريق البرهانى ، وتخصيص كل منهما بنفى مستقل لتأكيد انتفائهما . والمراد بعدم التبديل . أن العذاب لا يبدل بغيره . وبعدم التحويل أنه لا يحول عن مستحقه إلى غيره . وجمع بينهما هنا تعميما لتهديد المسئ لقبح مكره . ثم ساق لهم - سبحانه - وما يؤكد عدم تغيير سنته فى خلقه ، بأن حضهم على الاعتبار بأحوال المهلكين من قبلهم ، والذين يرون بأعينهم آثارهم ، فقال - تعالى - { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } . أى أعمى هؤلاء الماكرون عن التدبر ، ولم يسيروا فى الأرض ، فيروا بأعينهم فى رحلاتهم إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى غيرهما ، كيف كانت عاقبة المكذبين من قبلهم ، لقد دمرناهم تدميرا ، مع أنهم كانوا أشد من مشركى مكة قوة ، وأكثر جمعا { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أى وما كان من شأن الله - تعالى - أن يعجزه شئ من الأشياء ، سواء أكان فى السماوات أم فى الأرض . بل كل شئ تحت أمره وتصرفه . { إِنَّهُ } - سبحانه - { كَانَ عَلِيماً } بكل شئ { قَدِيراً } على كل شئ . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان جانب من رحمته بعباده فقال { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ } من الذنوب أو الخطايا . { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } أى على ظهر الأرض { مِن دَآبَّةٍ } من الدواب التى تدب عليها . { وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو يوم القيامة . { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } الذى حدده - سبحانه - لحسابهم ، جازاهم بما يستحقون { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } أى لا يخفى عليه شئ من أحوالهم . وبعد فهذا تفسير لسورة فاطر . نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .