Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 75-82)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقصة نوح - عليه السلام - قد وردت فى القرآن الكريم فى سور متعددة منها سورة الأعراف ، وسورة هود ، وسورة نوح ، وسورة المؤمنون . وهنا يحدثنا القرآن عن جانب من النعم التى أنعم بها الله - تعالى - على نبيه نوح - عليه السلام - حيث أجاب له دعاءه ، ونجاه وأهله من الكرب العظيم وأهلك أعداءه المكذبين . واللام فى قوله { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ … } واقعة فى جواب القسم محذوف والمراد بالنداء الدعاء الذى تضرع به نوح - عليه السلام - وطلب منا أن ننصره على قومه الكافرين فاستجبنا له أحسن إجابة ، ونعم المجيبون نحن ، فقد أهلكنا أعداءه بالطوفان . أخرج ابن مردويه عن عائشة قالت كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى فى بيتى فمر بهذه الآية ، قال " صدقت ربنا ، أنت أقرب من دعى ، وأقرب من بُغِى - أى طُلِب لإِجابة الدعاء - فنعم المدعو أنت ، ونعم المعطى أنت ، ونعم المسئول أنت ربنا ونعم المصير " . والمراد بأهله فى قوله - تعالى - { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } الذين آمنوا معه . أى ونجيناه وأهله الذين آمنوا معه - بفضلنا وإحساننا - من الكرب العظيم ، الذى حل بأعدائه الكافرين ، حيث أغرقناهم أجمعين . { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } أى وجعلنا ذريته من بعده هم الذين بقوا وبقى نسلهم من بعدهم ، وذلك لأن الله - تعالى - أهلك جميع الكافرين من قومه ، أما من كان معه من المؤمنين من غير ذريته ، فقد قيل إنهم ماتوا ، ولم يبق سوى أولاده . قال ابن كثير قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال ابن عباس لم تبق إلا ذرية نوح . وقال قتادة الناس كلهم من ذرية نوح . وروى الترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم عن سمرة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال " هم سام ، وحام ، ويافث " . وروى الإِمام أحمد - بسنده - عن سمرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم " . { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ . سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } أى وأبقينا عليه فى الأمم التى ستأتى من بعده إلى يوم القيامة ، الذكر الحسن ، والكلمة الطيبة ألا وهى قولهم سلام على نوح فى العالمين ، أى تحية وأمان وثناء جميل على نوح فى العالمين . وقوله { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } تعليل لما منحه - سبحانه - لعبده نوح من نعم وفضل وإجابة دعاء . أى مثل ذلك الجزاء الكريم الذى جازينا به نوحا - عليه السلام - نجازى كل من كان محسنا فى أقواله وأفعاله . وإن عبدنا نوحا قد كان من عبادنا الذين بلغوا درجة الكمال فى إيمانهم وإحسانهم . قال صاحب الكشاف قوله { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } أى من الأمم هذه الكلمة ، وهى " سلام على نوح " يعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له . فإن قلت فما معنى قوله { فِي ٱلْعَالَمِينَ } . قلت معناه الدعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا ، وأن لا يخلو أحد منهم منها ، كأنه قيل ثبت الله التسليم على نوح وأدامه فى الملائكة والثقلين ، يسلمون عليه عن آخرهم . علل - سبحانه - مجازاة نوح بتلك التكرمة السنية ، من تبقية ذكره ، وتسليم العالمين عليه إلى آخر الدهر ، بأنه كان محسناً ، ثم علل كونه محسناً ، بأنه كان عبداً مؤمناً ، ليريك جلالة محل الإِيمان ، وأنه لقصارى من صفات المدح والتعظيم ، ويرغبك فى تحصيله وفى الازدياد منه . ثم ختم - سبحانه - القصة بقوله { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } أى لقد أضفنا إلى تلك النعم التى أعطيناها لنبينا نوح - عليه السلام - أننا أغرقنا أعداءه الذين آذوه ، وأعرضوا عن دعوته . وتلك سنتنا لا تتخلف ، أننا ننجى المؤمنين ، ونهلك الكافرين . وجاءت بعد قصة نوح - عليه السلام - قصة إبراهيم - عليه السلام - وقد حكى الله - تعالى - ما دار بين إبراهيم وبين قومه ، كما حكى بعض النعم التى أنعمها - سبحانه - عليه ، بسبب إيمانه وإحسانه ، فقال - تعالى - { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ … } .