Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 56-57)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالذين كفروا هنا كل كافر سواء أكان من بنى إسرائيل أم من غيرهم . وقوله { نُصْلِيهِمْ } من الإِصلاء وهو إيقاد النار . والمراد هنا إدخالهم فيها وقوله { نَضِجَتْ } من النضج وهو بلوغ نهاية الشئ . يقال نضج الثمر واللحم ينضج نضجاً إذا أدرك وبلغ نهايته . والمراد هنا احتراق الجلود احتراقا تاما . والمعنى { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا } الدالة على أن الله وحده هو المستحق للعبادة والخضوع { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } أى سوف ندخلهم نارا هائلة عظيمة وسوف هنا - كما قال سيبويه - للتهديد وتأكيد العذاب المقبل ولو مع التراخى وتراخى العذاب مع تأكيده يجعل النفس فى فزع دائم ، وخوف مستمر حتى يقع . وقوله { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } بيان لشدة العذاب ودوامه أى كلما احترقت جلودهم وتلاشت أعطيناهم بدل الجلود المحترقة جلودا غير متحرقة مغايرة للمحترفة . فالتبديل على هذا تبديل حقيقى مادى . بمعنى أن يخلق الله - تعالى - مكان الجلود المحترقة جلودا أخرى جديدة مغايرة للمحترقة . ويرى بعضهم أن الجملة الكريمة كناية عن دوام العذاب لهم . وقد ذكر هذا الرأى الفخر الرازى فقال ويمكن أن يقال هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع . كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام كلما انتهى فقد ابتدأ . وكلما وصل إلى آخره فقد أبتدأ من أوله . فكذا قوله { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } . يعنى كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك ، أعطيناهم قوة جديدة من الحياة . فيكون المقصود ببيان دام العذاب وعدم انقطاعه . والذى نراه أن حمل التبديل على حقيقته أولى ، لأنه ليس لنا أن نعدل فى كلام الله عن الحقيقة إلى المجاز ، إلا عند الضرورة . وهنا لا ضرورة لذلك ، لأن تبديل الجلود داخل تحت قدرة الله - تعالى - ولأن هذا المعنى الذى ذكره الإِمام الرازى يتأتى مع حمل اللفظ على حقيقته إذ كلمة " كل " تدل على دوام العذاب وعدم انقطاعه ، ولأن كثيرا من السلف قد فسروا الآية على الوجه الأول ، فقد روى عن ابن عمر أنه قال تلا رجل عند عمر هذه الآية قال فقال عمر أعدها على . فأعادها . فقال معاذ بن جبل عندى تفسيرها تبدل جلودها فى كل ساعة مائة مرة . فقال عمر هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } جملة تعليلية لقوله { بَدَّلْنَاهُمْ } أى بدلناهم جلودا غيرها ليقاسوا شدة العذاب ، وليحسوا به فى كل مرة كما يحس الذائق للشئ الذى يذوقه . وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } تذييل قصد به تأكيد التهديد والوعيد الذى اشتملت عليه الآية الكريمة . أى أن الله - تعالى كان وما زال عزيزا لا يغلبه غالب ، ولا يمنع عقابه مانع حكيما فى تدبيره وتقديره وتعذيب من يعذبه وإثابة من يثيبه . وقوله { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } بيان لحسن الثواب الذى وعد الله به عباده المؤمنين فى مقابلة بيان العقاب الذى أعده للكافرين . وتلك عادة القرآن فى تربية النفوس . إنه يسوق عاقبة الكافرين ثم يتبعها بحسن عاقبة المؤمنين أو العكس ، ليحمل العقلاء على الابتعاد عن طريق الكفر والعصيان ، وليغريهم بالسير فى طريق الطاعة والإِيمان . أى والذين آمنوا إيماناً حقاً ، وعملوا فى دنياهم الأعمال الطيبات الصالحات { سَنُدْخِلُهُمْ } يوم القيامة { جَنَّاتٍ تَجْرِي } من تحت شجرها وقصورها { ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى أكرمناهم إكراما عظيما بأن جعلناهم مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها { لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أى لهم فيها نساء بريئات ومنزهات من جميع الأدناس الحسية والمعنوية . وقوله { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } أى ظلا وارفا جميلا لا يصيب صاحبه حر ولا سموم . والظل أثر لما يحجب الشمس وحرارتها . والظليل صفة مشتقة من الظل للتأكيد على حد قولهم ليل أليل أى ظلا بلغ الغاية فى جنسه . ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال { ظَلِيلاً } صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه . كما يقال ليل أليل . ويوم أيوم وما أشبه ذلك . وهو ما كان فيئا - أى طويلا ممتدا - لا حوب فيه - أى لا خرق ولا قطع فيه - ودائما لا تنسخه الشمس . وسجسجا - أى متوسطا - لا حر فيه ولا برد . وليس ذلك إلا ظل الجنة . رزقا الله بتوفيقه لما يزلف إليه التفيؤ تحت ذلك الظل . وبعد هذا الحيث الجامع عن أحوال أهل الكتاب من اليهود ، وجه القرآن جملة من الأوامر الحكيمة إلى المؤمنين . فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ … تَأْوِيلاً } .