Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 13-22)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمقصود بآياته - عز وجل - فى قوله { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ … } الدلائل الدالة على وحدانيته وقدرته ، كخلقه للشمس والقمر والليل والنهار ، والبحار والأنهار ، والسماء والأرض ، والمطر والرعد ، والنجوم والرياح ، والأشجار الكبيرة والصغيرة … إلى غير ذلك من آياته التى لا تحصى فى هذا الوجود … أى هو - سبحانه - الذى يريكم آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ، لتزدادوا - أيها المؤمنون - إيمانا على إيمانكم ، وثباتا على ثباتكم ، ويقينا على يقينكم ، بأن المستحق للعبادة والطاعة هو الله الواحد القهار . وقد ساق - سبحانه - فى كتابه عشرات الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته ، ومن ذلك قوله - تعالى - { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } وقوله عز وجل { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ … } وقوله - تعالى - { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } والمراد بالرزق فى قوله { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } … الأمطار التى تنزل من السماء على الأرض ، فتحييها بعد موتها ، بأن تحولها من أرض جدباء يابسة ، إلى أرض خضراء بشتى الزروع والثمار . وأطلق - سبحانه - على المطر رزقا . لأنه سبب فيه ، وأفرده بالذكر مع كونه من جملة الآيات التى يريها - تعالى - لعباده لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته ، وجلائل نعمه ، الموجبة لشكره - عز وجل - ، ولوجوب إخلاص العبادة له . وقوله - تعالى - { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } بيان لمن هو أهل للانتفاع بهذه الآيات . أى وما يتذكر وينتفع بهذه الآيات إلا من يرجع عن المعصية إلى الطاعة وعن الكفر إلى الإِيمان ، وعن العناد والجحود ، إلى التفكر والتدبر بقلب سليم . فقوله { يُنِيبُ } من الإِنابة ، ومعناها الرجوع عن الكفر والمعاصى إلى الإِيمان والطاعة . والفاء فى قوله - تعالى - { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ … } للإِفصاح عن شرط مقدر . أى إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن كل شئ فى هذا الوجود يدل على وحدانية الله - تعالى - فأخلصوا له العبادة والطاعة { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } منكم ذلك - أيها المؤمنون - فلا تلتفتوا إلى كراهيتهم ، وامضوا فى طريق الحق ، ودعوهم يموتوا بغيظهم … وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة ، وجوب إخلاص العبادة لله - تعالى - ووجوب الإِكثار من التضرع إليه بالدعاء . ومن الأحاديث التى أوردها الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، ما رواه الإِمام مسلم وأبو داود ، والنسائى ، وأحمد ، عن أبى الزبير محمد بن مسلم المكى قال كان عبد الله بن الزبير يقول فى دبر كل صلاة حين يسلم " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة " . ثم يذكر - سبحانه - بعد ذلك من صفاته العظمى ، ما يزيد المؤمنين فى إخلاص العبادة له ، فيقول { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ … } أى هو - تعالى - وحده صاحب الرفعة والمقام العالى ، وهو وحده صاحب العرش العظيم ، الذى لا يعلم مقدار عظمته إلا هو … قال الآلوسى قوله { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } رفيع صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها من رُفِعَ الشئ إذا علا … والدرجات مصاعد الملائكة إلى أن يبلغوا العرش ، أى رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه … ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه - عز شأنه - كما أن قوله - تعالى - { ذُو ٱلْعَرْشِ } كناية عن ملكه - جل جلاله - . والمراد بالروح فى قوله - تعالى - { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } الوحى الذى يوحى به على أنبيائه ، وأمين هذا الوحى جبريل - عليه السلام - . أى هو وحده - سبحانه - الذى يلقى الوحى . حالة كون هذا الوحى ناشئا من أمره وقضائه على من يختاره لهذا الإِلقاء من عباده الصالحين . فقوله { مِنْ أَمْرِهِ } متعلق بمحذوف حال من الروح . وسمى الوحى روحا ، لأن الأرواح تحيا به ، كما أن الأجساد تحيا بالغذاء . وقوله - تعالى - { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } بيان للوظيفة الخاصة بمن يختاره - سبحانه - من عباده لإِلقاء الوحى عليه . والإِنذار الإِعلام المقترن بالتخويف والتحذير ، فكل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذاراً . والمراد بيوم التلاق يوم القيامة ، وسمى بيوم التلاق لأنه يتلاقى فيه الأولون والآخرون والمؤمنون والكافرون ، والظالمون والمظلومون … الكل يتلاقى فى ساحة المحشر ليقضى الله - تعالى - فيهم بقضائه العادل . أى يلقى - سبحانه - بوحيه على أنبيائه ، لينذروا الناس ويحذروهم من سوء العذاب يوم القيامة ، إذا ما استمروا فى كفرهم وعصيانهم لخالقهم . ثم صور - سبحانه - أحوال الناس فى هذا اليوم العصيب ، فقال { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ … } وهذه الجملة الكريمة بدل من قوله { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } أى يلقى - سبحانه - على من يشاء من عباده ، لكى ينذر الناس من أهوال ذلك اليوم الذى تلتقى فيه الخلائق ، والذى يظهرون فيه ظهورا تاما ، دون أن يخفى منهم شئ على الله - تعالى - . والله - تعالى - لا يخفى عليه شئ من أمرهم لا فى هذا اليوم ولا فى غيره ، ولكنه - سبحانه - ذكر بروزهم وعدم خفائهم عليه فى هذا اليوم ، لأنهم - لجهلهم - كانوا يتوهمون فى الدنيا أنهم يستطيعون التستر عنه ، كما أشار - سبحانه - إلى ذلك فى قوله - تعالى - { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال قوله { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } أى ظاهرون لا يسترهم شئ من جبل أو أكمة أو بناء ، لأن الأرض بارزة قاع صفصف ، ولا عليهم ثياب ، إنما هم عراة مكشوفون ، كما جاء فى الحديث " يحشرون عراة حفاة غرلا " { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } أى من أعمالهم وأحوالهم … فإن قلت قوله { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } بيان وتقرير لبروزهم ، والله - تعالى - لا يخفى عليه منهم شئ برزوا أم لم يبرزوا ، فما معناه ؟ قلت معناه أنهم كانوا يتوهمون فى الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب ، أن الله لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم ، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه قال - تعالى - { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ … } وقوله - تعالى - { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } السائل والمجيب هو الله - تعالى - . أى ينادى الله - تعالى - فى المخلوقات فى ذلك اليوم ، لمن الملك فى هذا اليوم الهائل الشديد ؟ ثم يجيب - سبحانه - على هذا السؤال بقوله { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } . قال القرطبى ما ملخصه قال الحسن هو السائل - تعالى - وهو المجيب ، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه سبحانه فيقول { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } . وعن ابن مسعود قال يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة ، لم يعص الله - جل وعلا - عليها ، فيأمر مناديا ينادى { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } . فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا ، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا . ثم قال والقول الأول ظاهر جدا ، لأن المقصود إظهار انفراده - تعالى - بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين ، وانتساب المنتسبين ، إذ قد ذهب كل ملك وملكه . وبعد أن قرر - سبحانه - أن الملك فى هذا اليوم له وحده . أتبع ذلك ببيان ما يحدث فى هذا اليوم فقال { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ … } . أى فى هذا اليوم الهائل الشديد تجازى كل نفس من النفوس المؤمنة والكافرة ، والبارة والفاجرة . بما كسبت فى دنياها من خير أو شر ، ومن طاعة أو معصية . { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } ولا جور ولا محاباة ولا وساطات … وإنما تعطى كل نفس ما تستحقه من ثواب أو عقاب . { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } لأنه - سبحانه - لا يحتاج إلى تفكير عند محاسبته لخلقه ، بل هو - سبحانه - قد أحاط بكل شئ علما ، كما قال - تعالى - { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ثم يوجه الله - تعالى أمره إلى النبى صلى الله عليه وسلم بأن يحذر كفار قريش من أهوال هذا اليوم فيقول { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ … } . والآزفة القيامة . وأصل معنى الأزفة القريبة ، وسميت القيامة بذلك لقربها ، يقال أزف - بزنة فرح - يوم الرحيل إذا دنا وقرب . والحناجر جمع حنجرة وهى الحلقوم . وكاظمين حال من أصحاب القلوب على المعنى . فإن ذكر القلوب يدل على ذكر أصحابها . وأصل الكظم الحبس والإِمساك للشئ . يقال كظم القربة إذا ملأها بالماء ، وسد فاها ، حتى لا يخرج منها شئ من الماء . والمعنى وأنذر - أيها الرسول الكريم - الناس ، وحذرهم من أهوال يوم عظيم قريب الوقوع ، هذا اليوم تكون قلوبهم فيه مرتفعة عن مواضعها من صدورهم . ومتشبثة بحناجرهم ، ويكونون كاظمين عليها وممسكين بها حتى لا تخرج مع أنفساهم . كما يمسك صاحب القربة فمها لكى لا يتسرب منها الماء . فالآية الكريمة تصوير يديع لما يكون عليه الناس فى هذا اليوم من فزع شديد ، وكرب عظيم . وخوف ليس بعده خوف . والحديث عن قرب يوم القيامة قد جاء فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى - { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ … } وقوله - سبحانه - { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } والظاهر أن قوله هنا { يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } هو المفعول الثانى للإِنذار ليس ظرفا له . لأن الإِنذار والتخويف من أهوال يوم القيامة واقع فى دار الدنيا . وقوله { إِذِ ٱلْقُلُوب } بدل من يوم الآزفة . قال صاحب الكشاف فإن قلت " كاظمين " بم انتصب ؟ قلت هو حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأن المعنى إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها . ويجوز أن يكون حالا من القلوب ، وأن القلوب ، كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر . وإنما جُمِع جَمْع السلامة ، لأنه وصفها بالكظم الذى هو من أفعال العقلاء ، كما قال - تعالى - { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ … } وقوله - تعالى - { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } نفى لكون هؤلاء الظالمين يوجد فى هذا اليوم من ينفعهم أو يدافع عنهم . والحميم هو الإِنسان الذى يحبك ويشفق عليك ويهتم بأمرك ، ومنه قيل لخاصة الرجل حَامَّتهُ . والشفيع من الشفع ، بمعنى الانضمام ، يقال شفع فلان لفلان إذا انضم إليه ليدافع عنه . أى ليس للظالمين فى هذا اليوم قريب أو محب يعطف عليهم ، ولا شفيع يطيعهم فى الشفاعة لهم ، لأنهم فى هذا اليوم يكونون محل غضب الجميع ونقمتهم ، بسبب ظلمهم وإصرارهم على كفرهم . فالآية الكريمة نفت عنهم الصديق الذى يهتم بأمرهم ، والشفيع الذى يشفع لهم ، والإِنسان الذى تكون له أية كلمة تسمع فى شأنهم . ثم أكد - سبحانه - شمول علمه لكل شئ فقال { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } . والمراد بخائنة الأعين النظرة الخائنة التى يتسلل بها المتسلل ليطلع على ما حرم الله الاطلاع عليه . والجملة خبر لمبتدأ محذوف . والإِضافة فى قوله { خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } على معنى من ، وخائنة نعت لمصدر محذوف . أى هو - سبحانه - يعلم النظرة الخائنة من الأعين ، وهى التى يوجهها صاحبها فى تسلل وخفية إلى محارم الله - تعالى - كما يعلم - سبحانه - الأشياء التى يخفيها الناس فى صدورهم ، وسيجازيهم على ذلك فى هذا اليوم بما يستحقون . قال القرطبى " ولما جئ بعبد الله بن أبى سرح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن أهل مكة ، وطلب له الأمان عثمان بن عفان ، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً ، ثم قال " نعم " . فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم لمن حوله " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه " . فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إليَّ يا رسول الله ؟ فقال " إن النبي لا تكون له خائنة أعين " . ثم بين - سبحانه - أن القضاء الحق فى هذا اليوم مرده إليه وحده فقال { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ … } . أى والله - تعالى - يقضى بين عباده قضاء ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل . { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ … } أى والآلهة الذين يعبدهم الكفار من دون الله - تعالى - لا يقضون بشئ أصلا ، لأنهم لا يعلمون شيئا ، ولا يقدرون على شئ ، وإذا فهم أعجز وأتفه من أن يلتفت إليهم . { إِنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لكل شئ { ٱلْبَصِيرُ } بكل شئ ، لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء . ثم وبخ - سبحانه - هؤلاء الظالمين على عدم اعتبارهم واتعاظهم بمن كان قبلهم فقال { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } . أى أبلغت الجهالة والغفلة وانطماس البصيرة بهؤلاء المشركين من قومك - يا محمد - أنهم لم يعتبروا ولم يتعظوا بالظالمين السابقين الذين دمرناهم تدميرا . إنهم يمرون عليهم مصبحين وبالليل ، وإنهم ليشاهدون آثارهم ماثلة أمام أعينهم ، يشاهدون آثار قوم صالح ، ويشاهدون آثار غيرهم . ولقد كان هؤلاء السابقون الظالمون ، أشد من مشركى قريش فى القوة والبأس ، وأشد منهم فى إقامة المبانى الفارهة ، والحصون الحصينة . . فلما استمروا فى جحودهم وكفرهم ، أخذهم الله - تعالى - أخذ عزيز مقتدر ، بسبب ذنوبهم . وما كان لهم من دون الله - تعالى - من يدفع عنهم عذابه ، أو يقيهم من بأسه . { ذَلِكَ } الأخذ من أسبابه { بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أى بالدلائل الواضحات على صدقهم فيما يبلغونهم عن ربهم . { فَكَفَرُواْ } أى بالرسل وبما جاءوهم به { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ } أى فأهلكهم - سبحانه - { إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أى إنه - سبحانه - قوى لا يحول بين ما يريد أن يفعله حائل ، شديد العقاب لمن كفر به ، وأعرض عن دعوة رسله . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لنا أنواعا متعددة من مظاهر قدرة الله ، ومن أهوال يوم القيامة ، ومن علمه الشامل لكل شئ ، ومن قضائه العادل ومن أخذه للظالمين أخذ عزيز مقتدر . ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون . فذكرت جانبا من التهديدات التى وجهها فرعون إلى موسى وقومه ، وكيف أن موسى - عليه السلام - رد عليه ردا قويا حكيما ، فقال - تعالى - { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا … }