Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 25-36)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الجمل فى حاشيته قوله - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } قال ابن عباس يريد أولياءه وأهل طاعته . والتوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كان معصية بين العبد وربه فلها ثلاثة شروط ، الإِقلاع عن المعصية ، والندم على فعلها ، والعزم على عدم العودة إليها . وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمى ، أضيف إلى ذلك أن يبرأ من حق صاحبها … والمعنى وهو - سبحانه - وحده الذى يقبل التوبة من عباده التائبين إليه ، شفقة عليهم ، ورحمة بهم ، بأن يكفر سيئاتهم ، ولا يعاقبهم عليها . والقبول يعدى بعن ، لتضمنه معنى الإِبانة والقطع ، ويعدى بمن لتضمنه معنى الآخذ كما فى قوله - تعالى - { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } وعدى بعن هنا للإِشارة إلى تجاوزه سبحانه عن خطايا عباده . وقوله - تعالى - { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } تأكيد لما قبله وتقرير له أى أنه عز وجل يقبل التوبة من عباده التائبين ، وفضلا عن ذلك ، يعفو عن سيئاتهم ، ويسترها عليهم ، بل ويحولها - بفضله إلى حسنات ، كما قال - تعالى - { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } وقوله - سبحانه - { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } تحذير من التمادى فى تأخير التوبة ، وفى اقتراف ما نهى عنه ، فكأنه - تعالى - يقول لقد فتحت لكم باب التوبة والعفو ، فأقبلوا على طاعتى ، واتركوا معصيتى ، فإنى عليم بما تفعلونه من خير أو شر ، وسأجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب . و { مَا } فى قوله { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } موصولة ، والعائد محذوف . أى ويعلم الذى تفعلونه دون أن يخفى عليه - تعالى - شئ منه . وقوله - تعالى - { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ … } معطوف على قوله { يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } . أى ويستجيب سبحانه من الذين آمنوا دعاءهم ، ويزيدهم من فضله وإحسانه ، بأن يعطيهم من النعم والخيرات أكثر مما سألوا . قال الآلوسى ما ملخصه والموصول مفعول بدون تقدير شئ ، بناء على أن { يَسْتَجِيبُ } يتعدى بنفسه ، كما يتعدى باللام ، نحو شكرته وشكرت له ، أو بتقدير اللام على أنه من باب الحذف والإِيصال ، والأصل ويستجيب للذين آمنوا … { وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أى هذا هو حال المؤمنين يجيب لهم - سبحانه - دعاءهم ، ويزيدهم من فضله وإحسانه … أما الكافرون الذين ستروا نعمه ، وجحدوا فضله ، فلهم عذاب شديد لا يعلم مقداره إلا هو - سبحانه - . ثم بين - سبحانه - جانبا مما اقتضته حكمته فى تدبير أمور عباده فقال { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } . والبغى تجاوز الحد فى كل شئ يقال بغى الجرح ، إذا أظهر ما بداخله من دم أو غيره . وبغى القوم ، إذا تجاوزوا حدودهم فى العدوان على غيرهم . أى ولو بسط الله - تعالى - الرزق لعباده ، بأن وسعه عليهم جميعا توسعة فوق حاجتهم ، { لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } أى لتجاوزوا حدودهم ، ولتكبروا فيها ، ولطغوا وعتوا وتركوا الشكر لنا ، وقالوا ما قاله قارون { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } وقوله { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } بيان لما اقتضته حكمته - تعالى - أى أن حكمته - تعالى - قد اقتضت عدم التوسعة فى الرزق لجميع عباده ، لأن هذه التوسعة تحملهم على التكبر والغرور والبطر ، لذا أنزل الله - تعالى - لهم الرزق بتقدير محدد اقتضته حكمته ومشيئته ، كما قال - سبحانه - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وقوله - تعالى - { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } تعليل لتنزيله الرزق على عباده بتقدير وتحديد دقيق . أى فعل ما فعل - سبحانه - من إنزال الرزق على عباده بقدر ، لأنه - تعالى - خبير بخفايا أحوال عباده ، وبطوايا نفوسهم ، بصير بما يقولونه وبما يفعلونه . قال صاحب الكشاف أى أنه - تعالى - يعلم ما يؤول إليه حالهم ، فيقدر لهم ما هو أصلح لهم ، وأقرب إلى جمع شملهم ، فيفقر ويغنى ، ويمنع ويعطى ، ويقبض ويبسط ، كما توجبه الحكمة الربانية ، ولو أغناهم جميعا لبغوا ، ولو أفقرهم لهكلوا . ولا شبهة فى أن البغى مع الفقر أقل ، ومع البسط أكثر وأغلب ، وكلاهما سبب ظاهر للإِقدام على البغى والإِحجام عنه ، فلو عم البسط ، لغلب البغى حتى ينقلب الأمر اإلى عكس ما هو عليه الآن . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ألوانا من نعمه على عباده ، وكلها تدل على وحدانيته وكمال قدرته فقال - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } . أى وهو - سبحانه - الذى ينزل المطر على عباده ، من بعد أن انتظروه فترة طويلة حتى ظهرت على ملامحهم علامات اليأس ، وبدأت على وجوههم أمارات القنوط . وقوله - تعالى - { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } معطوف على { يُنَزِّلُ } . أى ينزل الأمطار بعد يأس الناس من نزولها ، وينشر رحمته عليهم عن طريق ما ينتج عن هذه الأمطار من خيرات وبركات وأرزاق . { وَهُوَ } - سبحانه - { ٱلْوَلِيُّ } أى الذى يتولى عباده برحمته وإحسانه { ٱلْحَمِيدُ } أى المحمود على فعله ، حيث أنزل على عباده الغيث بعد أن ينسوا منه ، والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها تصور جانبا من فضل الله على عباده بطريقة محسوسة ، فالتعبير بالغيب يشعر بالغوث والنجدة بعد أن فقد الناس الأمل فى ذلك ، والتعبير بالقنوط يشعر بأن آثار الضيق قد ظهرت على وجوههم ، والتعبير بقوله - تعالى - { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } ، يشعر بانتشار الرجاء والفرح والانشراح على الوجوه بعد أن حل بها القنوط . والتعبير بقوله - تعالى - { وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } يشعر بقرب الله - تعالى - من عباده ، وبوجوب شكره على ما أعطى بعد المنع ، وعلى ما فرج بعد الضيق . ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان كمال قدرته فقال { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } . والمراد بالآيات هنا الدلائل والعلامات الواضحة الدالة على كمال قدرته - عز وجل - . وقوله { وَمَا بَثَّ } معطوف على { خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . أى ومن العلامات الناصعة الدالة على كمال قدرته - تعالى - خلقه للسماوات وللأرض بتلك الصورة الباهرة التى نشاهدها بأعيننا ، وخلقه - أيضا - لما بث فيهما من دابة ، ولما نشر وفرق فيهما من دواب لا يعلم عددها إلا الله - تعالى - . والدابة اسم لكل ما يدب على وجه الأرض أو غيرها . وظاهر الآية الكريمة يفيد وجود دواب فى السماوات . قال صاحب الكشاف فإن قلت لم قال { فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } والدواب فى الأرض وحدها ؟ . قلت يجوز أن ينسب الشئ إلى جميع المذكور وإن كان متلبسا ببعضه كما يقال بنو تميم فيهم شاعر مجيد ، أو شجاع بطل ، وإنما هو فخذ من أفخاذهم . ويجوز أن يكون للملائكة - عليهم السلام - مشى مع الطيران ، فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسى ، ولا يبعد أن يخلق - سبحانه - فى السماوات حيوانا يمشى فيها مشى الأناسى على الأرض ، سبحان الذى خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق . وقوله - تعالى - { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } بيان لكمال قدرته - عز وجل - . أى وهو - سبحانه - قادر قدرة تامة على جمع الخلائق يوم القيامة للحساب والجزاء . كما قال - تعالى - فى آية أخرى { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } ثم بين - سبحانه - أن ما يصب الناس من بلاء إنما هو بسبب أعمالهم فقال { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } . أى وما أصابكم - أيها الناس - من بلاء ، كمرض وخوف وفقر فإنما هو بسبب ما اكتسبتموه من ذنوب ، وما اقترفتموه من خطايا ، ويعفو - سبحانه - عن كثير من السيئات التى ارتكبتموها ، فلا يحاسبكم عليها رحمة منه بكم . قال - تعالى - { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث والآثار منها ما رواه ابن أبى حاتم عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - قال ألا أخبركم بأفضل آية فى كتاب الله ، وحدثنا بها رسول - صلى الله عليه وسلم - قال { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } وسأفسرها لك يا على ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء فى الدنيا ، فبما كسبت أيديكم ، والله - تعالى - أحلم من أن يثنى عليه العقوبة فى الآخرة ، وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه . ثم حذر - سبحانه - الناس من عقابه فقال { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } . أى وما أنتم - أيها الناس - بقادرين على الهرب منا فى أى مكان من الأرض أو فى غيرها ، لأن قدرتنا لا يعجزها أن تأتى بكم من أى مكان كنتم فيه ، وليس لكم غير الله - تعالى - من ولى يتولى أموركم ، أو نصير يدفع عنكم عذابه . قال - تعالى - { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من دلائل قدرته عن طريق ما يشاهده الناس فى البحر ، فقال - تعالى - { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } . والجوار جمع جارية والمراد بها السفينة لأنها تجرى فى البحر ، وهى صفة لموصوف محذوف . والأعلام جمع علم وهو الجبل الكبير ، وأصله الأثر الذى يعلم به الشئ كعلم الطريق ، وعلم الجيش ، وسمى علما لأن الناس يسترشدون به فى سيرهم . أى ومن آياته - سبحانه - الدالة على كمال قدرته ، هذه السفن الجارية فى البحر ، حتى لكأنها من ضخامتها وعظمها الجبال الشاهقة . { إِن يَشَأْ } - سبحانه - { يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ } التى بسببها تجرى السفن فى البحار { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } أى فيصرن ثوابت على ظهر البحر لا يجرين . يقال ركد الماء ركودا - من باب قعد - إذا سكن ، فهو راكد . وكل شىء ثابت فى مكانه فهو راكد . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذى ذكرناه لكم من السفن المسخرة فى البحر بأمره - تعالى { لآيَاتٍ } عظيمات { لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أى لكل إنسان قد تحلى بصفتى الصبر والشكر لله - تعالى - ، حتى صارتا هاتان الصفتان سجية من سجاياه … { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أى أو يهلكهن ويغرقهن بسبب ما اكتسبه الراكبون فى هذه السفن من ذنوب وخطايا . يقال أوبق فلان فلانا إذا حبسه أو أهلكه . ووبق فلان - كوعد ووجل ، وبوقا إذا هلك . وهو معطوف على قوله " يسكن " وكذلك قوله " ويعفو " . أى إن يشأ - سبحانه - يسكن الريح فتظل السفن ساكنة على ظهر البحر ، أو إن يشأ يرسل الريح عاصفة بتلك السفن بمن فيها ، أو إن يشأ ينج ناسا بالعفو عنهم . قال صاحب الكشاف " يوبقهن " يهلكهن . والمعنى أنه إن يشأ يبتلى المسافرون فى البحر بإحدى بليتين إما أن يسكن الريح فيركد الجوارى على ظهر البحر ، ويمنعهن من الجرى ، وإما أن يرسل الريح عاصفة فيهلكن إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } منها . فإن قلت علام عطف " يوبقهن " قلت على " يسكن " لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فيركدن ، أو يعصفها فيغرقن بعصفها . فإن قلت فما معنى إدخال فى حكم الإِيباق حيث جزم جزمه ؟ قلت معناه أو إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم . فإن قلت فمن قرأ " ويعفو " ؟ قلت قد استأنف الكلام . ثم بين - سبحانه - أن علمه شامل لكل شئ فقال { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } والمحيص المهرب والمنجى من العذاب . يقال خاص فلان عن الشئ ، إذا حاول الفرار منه . وقراءة الجمهور بنصب " يعلم " على أنه منصوب على فعل مقدر . أى فعل ما فعل - سبحانه - لينتقم من الظالمين ، وليعلم الذين يجادلون فى آياتنا الدالة على وحدنيتنا وقدرتنا … أنهم لا محيص لهم ولا مهرب من عذابنا ، بسبب جدالهم بالباطل ليدحضوا به الحق . ثم بين - سبحانه - أن متاع الدنيا مهما كثر فهو إلى زوال ، فقال { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } أى فما أعطيتم من شئ من متع الحياة الدنيا كالغنى والصحة والجاه . فإنما هو متاع زائل من متع الحياة الدنيا . { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من عطاء وثواب فى الآخرة . خير وأبقى ، أى هو خير فى ذاته من متاع الحياة الدنيا ، وأبقى منه زمانا حيث لا يزول ولا يفنى . وقوله { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } متعلق بقوله { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أى هذا الذى ذكرناه لكم من نعم الآخرة خير وأبقى ، للذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا وللذين هم يتوكلون ولا يعتمدون إلا على ربهم وحده ، لا على غيره أصلا . وبعد هذا البيان المفصل للبراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وللنعم التى أسبغها - سبحانه - على عباده … بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة فى بيان الصفات الطيبة والمناقب الحميدة ، التى وفق الله - تعالى - عباده المؤمنين للتحلى بها ، فقال { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ … لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } .