Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 33-35)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والهمزة فى قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ … } للاستفهام الإِنكارى ، والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام … أى أبلغ العمى والجهل بهؤلاء الكافرين ، أنهم لم يروا ولم يعقلوا أن الله - تعالى - الذى خلق السماوات والأرض بقدرته { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } أى ولم يتعب ولم ينصب بسبب خلقهن ، من قولهم عيى فلان بالأمر - كفرح - إذا تعب ، أو المعنى ولم يعجز عن خلقهن ولم يتحير فيه ، مأخوذ من قولهم عيى فلان بأمره ، إذا تحير ولم يعرف ماذا يفعل . وقوله { بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } فى محل رفع خبر { أَن } ، والباء فى قوله - تعالى - { بِقَادِرٍ } مزيدة للتأكيد . فالمقصود بالآية الكريمة توبيخ المشركين على جهلهم وانطماس بصائرهم ، حيث لم يعرفوا أن الله - تعالى - الذى أوجد الكون ، قادر على أن يعيدهم الى الحياة بعد موتهم . وأورد القرآن ذلك فى أسلوب الاستفهام الإِنكارى ، ليكون تأنيبهم على جهلهم أشد . وقوله { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تقرير وتأكيد لقدرته - تعالى - على إحياء الموتى ، لأن لفظ { بَلَىٰ } يؤتى به فى الجواب لإِبطال النفى السابق ، وتقرير نقيضه ، بخلاف لفظ { نعم } فإنه يقرر النفى نفسه . أى بلى إنه - سبحانه - قادر على إحياء الموتى ، لأنه - تعالى - على كل شئ قدير . ثم كرر - سبحانه - التذكير للناس بأحوال الكافرين يوم الحساب ليعتبروا ويتعظوا فقال { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ } أى واذكر - أيها العاقل - يوم يلقى الذين كفروا فى النار ، بعد مشاهدتها ورؤيتها … ثم يقال لهم على سبيل الزجر والتهكم { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } أى أليس هذا العذاب كنتم تنكرونه فى الدنيا . قد ثبت عليكم ثبوتا لا مفر لكم منه ، ولا محيد لكم عنه … { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } أى قالوا فى الجواب … بلى يا ربنا إن هذا العذاب حق ، وإنكارنا له فى الدنيا إنما كان عن جهل وغفلة وغرور منا … فهم قد اعترفوا بأن الحساب حق ، والجزاء حق … فى وقت لا ينفع فيه الاعتراف . ولذا جاء الرد عليهم بقوله - تعالى - { قَالَ } - سبحانه - { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أى فتذوقوا طعمه الأليم ، ووقعه المهين { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } أى بسبب كفركم وجحودكم . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على مكرهم فقال { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } . أى إذا كان الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - فاصبر على أذى قومك ، كما صبر إخوانك أولو العزم من الرسل ، أى أصحاب الجد والثبات والصبر على الشدائد والبلاء … وهم - على أشهر الأقوال - نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - صلوات الله عليهم جميعا - . وقوله { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } نهى منه - تعالى - لنبيه عن استعجال العذاب لهم . أى ولا تستعجل لهم العذاب . فالمفعول محذوف للعلم به … ثم بين - سبحانه ما يدعو إلى عدم الاستعجال فقال { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ … } . أى اصبر - أيها الرسول - على أذى قومك كما صبر إخوانك أولو العزم من الرسل . ولا تستعجل العذاب لهؤلاء الكافرين فإنه آتيهم لا ريب فيه ، وكأنهم عندما يرون هذا العذاب ويحل بهم ، لم يلبثوا فى الدنيا إلا وقتا قليلا وزمنا يسيرا ، لأن شدة هذا العذاب تنسيهم كل متع الدنيا وشهواتها . وقوله - تعالى - { بَلاَغٌ } خبر لمبتدأ محذوف أى هذا الذى أنذرتكم به ، أو هذا القرآن ، بلاغ كاف فى وعظكم وإنذاركم إذا تدبرتم فيه ، وتبليغ من الرسول - صلى الله عليه وسلم إليكم . { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } كلا ، إنه لا يهلك بعذاب الله - تعالى - إلا القوم الخارجون عن طاعته ، الواقعون فى معصيته فالاستفهام للنفى … وبعد فهذا تفسير لسورة " الأحقاف " نسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .