Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 8-10)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله { مُبَشِّراً } من التبشير ، وهو الإِخبار بالأمر السار لمن لا علم له بهذا الأمر . وقوله { وَنَذِيراً } من الإِنذار ، وهو الإِخبار بالأمر المخيف ، لكى يجتنب ويحذر . أى { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ } - أيها الرسول الكريم - إلى الناس ، لتكون { شَاهِداً } لمن آمن منهم بالإِيمان ، ولمن كفر منهم بالكفر ، بعد أن بلغتهم رسالة ربك تبليغا تاما كاملا . ولتكون { مُبَشِّراً } للمؤمنين منهم برضا الله عنهم ومغفرته لهم { وَنَذِيراً } للكافرين وللعصاة بسوء المصير إذا ما استمروا على كفرهم وعصيانهم . والحكمة فى جعله - صلى الله عليه وسلم - شاهدا مع أن الله - تعالى - لا يخفى عليه شئ إظهار العدل الإِلهى للناس فى صورة جلية واضحة ، وتكريم النبى - صلى الله عليه وسلم - بهذه الشهادة . وجمع - سبحانه - بين كونه - صلى الله عليه وسلم - { مُبَشِّراً وَنَذِيراً } لأن من الناس من ينفعه الترغيب فى الثواب ، ومنهم من لا يزجره إلى التخويف من العقاب . وانتصاب { شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } على الحال المقدرة . وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … } وقوله - سبحانه - { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ … } وقوله - عز وجل - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } ثم بين - سبحانه - الحكمة من إرساله - صلى الله عليه وسلم - فقال { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } . وقوله { وَتُعَزِّرُوهُ } من التعزير بمعنى النصرة مع التعظيم والتفخيم . وقوله { وَتُوَقِّرُوهُ } أى تعظموه وتقدروه . وقوله { وَتُسَبِّحُوهُ } من التسبيح بمعنى التنزيه . تقول سبحت الله - تعالى - أى نزهته عما لا يليق به ، و { بُكْرَةً } أول النهار ، و { أَصِيلاً } آخره ، والمراد ظاهرهما ، أو جميع أوقات النهار ، كما يقال شرقا وغربا لجميع الجهات . والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأمته ، كقوله - تعالى - { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ … } والقراءة بتاء الخطاب ، هى قراءة الجمهور من القراء . قال الآلوسى وهو من باب التغليب ، غلب فيه المخاطب على الغائب فيفيد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بالإِيمان برسالته كأمته … أى أرسلناك - أيها الرسول الكريم - شاهدا ومبشرا ونذيرا ، لتكون على رأس المؤمنين بما أرسلناك به ، وليتبعك فى ذلك أصحابك ومن سيأتى بعدهم ، بأن يؤمنوا بالله ورسوله إيمانا حقا ، ولينصروك ويعظموك ، وليسبحوا الله - تعالى - فى الصباح والمساء . وعلى هذا يكون الضمير فى قوله - تعالى - { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } يعود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفى قوله { وَتُسَبِّحُوهُ } يعود إلى الله - تعالى - . قال القرطبى ما ملخصه قرأ ابن كثير وأبو عمرو { ليؤمنوا } وكذلك { يعزروه ويوقروه ويسبحوه } كله بالياء على الخبر … وقرأ الباقون بالتاء فى الخطاب … والهاء فى قوله { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } للنبى - صلى الله عليه وسلم - وهنا وقف تام . ثم تبتدئ بقوله { وَتُسَبِّحُوهُ } أى تسبحوا الله بكرة وأصيلا . وقيل الضمائر كلها لله - تعالى - فعلى هذا يكون تأويل { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } أى تثبتوا له صحة الربوبية ، وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك … ثم مدح - سبحانه - الذين عاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووفوا بعهودهم أكمل وفاء ، فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ … } . وقوله - سبحانه - { يُبَايِعُونَكَ } من المبايعة أو من البيعة ، بمعنى المعاهدة أو العهد ، وسميت المعاهدة مبايعة ، لاشتمال كل واحد منهما على معنى المبادلة ، وعلى وجوب الصدق والوفاء . والمراد بهذه المبايعة ، ما كان من المؤمنين فى صلح الحديبية ، عندما عاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الثبات وعلى مناجزة المشركين بعد أن أشيع أنهم قتلوا عثمان - رضى الله عنه - . أى إن الذين يبايعونك على الموت أو على عدم الفرار عند لقاء المشركين ، إنما يبايعون ويعاهدون الله - تعالى - على ذلك قبل أن يبايعوك أنت ، لأن المقصود من هذه البيعة إنما هو طاعته - سبحانه - وامتثال أمره ، كما قال - تعالى - { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } فالمقصود بقوله { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } تأكيد وجوب الوفاء بما عاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه من الثبات وعدم الفرار ، والطاعة له فى كل ما يأمرهم به . وقوله - سبحانه - { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } زيادة فى تأكيد وجوب الوفاء . ومذهب السلف فى هذه الآية وأمثالها من آيات الصفات أنه يجب الإِيمان بها ، وتفويض علم معناها المراد منها إلى الله - تعالى - وترك تأويلها مع تنزيهه - تعالى - عن حقيقتها ، لاستحالة مشابهته - تعالى - بالحوادث ، كما قال - سبحانه - { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } أما الخلف فمذهبهم تأويل هذه الصفات على معنى يليق بجلاله ، فيؤولون اليد هنا بالقوة أو القدرة . أى قوة الله - تعالى - ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم ، كما يقال اليد فى هذه المسألة لفلان ، أى الغلبة والنصرة له . أو المعنى يد الله - تعالى - بالوفاء بما وعدهم من الخير والنصرة فوق أيديهم … والمقصود بهذه الجملة - كما أشرنا - زيادة التأكيد على وجوب الوفاء والثبات . قال صاحب الكشاف لما قال - سبحانه - { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أكده تأكيداً على سبيل التمثيل ، فقال { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } يريد أن يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى تعلو أيدى المبايعين هى يد الله ، والله - تعالى - منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام . . وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق من الرسول - صلى الله عليه وسلم - كعقده مع الله - تعالى - . ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة الناكثين فقال { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أى فمن نقض العهد بعد إبرامه وتوثيقه ، فإنما عاقبة نقضه يعود وبالها وشؤمها عليه . فقوله { نَّكَثَ } مأخوذ من النَّكث - بكسر النون - وهو فك الخيوط المغزولة بعد غزلها ، وقوله { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أى ومن ثبت على الوفاء بما عاهد الله - تعالى - عليه فسيعطيه - سبحانه - من فضله أجرا عظيما على ذلك . والهاء فى قوله { عَلَيْهُ } قرأها حفص بالضم ، توصلا إلى تفخيم لفظ الجلالة ، الملائم لتفخيم أمر العهد المشعر به الكلام ، وقرأها الجمهور بالكسر . هذا ، وقد وردت أحاديث متعددة ، تصرح بأن الذين كانوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى صلح الحديبية قد بايعوا جميعا النبى - صلى الله عليه وسلم - على الموت أو على الفرار ، سوى جماعة من المنافقين ، امتنعوا عن هذه البيعة ، لمرض قلوبهم ، وسوء طويتهم … ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ، قيل على أى شئ ؟ قال على الموت . وروى مسلم فى صحيح عن جابر بن عبد الله أنه سئل كم كان عددكم يوم الحديبية ؟ قال كنا أربع عشرة مائة ، فبايعنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن لا نفر - سوى الجد بن قيس فإنه اختفى تحت بطن بعيره ، ولم يسرع مع القوم … وهكذا فاز المؤمنون الصادقون بشرف هذه البيعة وحرم منها المنافقون لمرض قلوبهم . ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن المتخلفين ، الذين لم يخرجوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى صلح الحديبية ، فتحكى أعذارهم الزائفة ، وتفضحهم على رءوس الأشهاد ، وترد على أقوالهم الباطلة ، وتأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بالإِعراض عنهم ، وإهمال أمرهم ، فهم قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله …