Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 14-14)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } معطوف على قوله قبل ذلك { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } ونسب - سبحانه - تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } جمع نصران كندامى جمع ندمان ، ولم يستعمل نصران إلا بياء النسب . وقد صارت كلمة نصرانى لكل من اعتنق المسيحية . وقد سموا بذلك لدعواهم أنهم أنصار عيسى على أعدائهم . أو نسبة إلى بلدة الناصرة التى فيها نشأ عيسى - عليه السلام - وأعلن دعوته للناس . والمعنى وكما أخذنا على بنى إسرائيل الميثاق بأن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ، ويستجيبوا لمحمد صلى الله عليه وسلم الذى بشرت به الكتب السماوية ، فقد أخذنا - أيضاً - من الذين قالوا إنا نصارى الميثاق بذلك ، ولكنهم كان شأنهم فى الكفر ونقض العهود كشأن اليهود ، إذ ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى قدراً كبيراً ، ونصيباً عظيماً مما ذكروا به على لسان عيسى عليه السلام - فقد أمرهم بتوحيد الله ، وبشرهم بظهور رسول من بعده هو محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإِيمان به ، ولكنهم استحبوا الكفر على الإِيمان ، فكان دأبهم كدأب بنى إسرائيل فى العناد والضلال . ونسب - سبحانه - تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } ولم يقل " ومن النصارى " للإِشارة إلى أن ادعاءهم النصرانية وهى الدين الذى جاء به عيسى . إنما هو قول يقولونه بافواههم دون أن يتبعوه بقلوبهم إذ لو كانوا متبعين حقاً لما جاء به عيسى عليه السلام - لأقروا لله - تعالى - بالوحدانية ولآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذى بشر به عيسى - عليه السلام - . وإلى هذا المعنى أشار - صاحب الكشاف بقوله فإن قلت فهلا قيل ومن النصارى ؟ قلت لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله ، وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله . ثم اختلفوا بعد نسطورية ، ويعقوبية ، وملكانية ، أنصاراً للشيطان " . وقوله - تعالى { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } بيان لما حدث منهم بعد أخذ الميثاق . أى أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم على أن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ورسله ولكنهم لم يكونوا أوفياء بعهودهم ، بل تركوا نصيباً كبيرا مما أمروا بفعله ومما ذكروا به على لسان المسيح عيسى بن مريم . والمراد بالنسيان هنا الترك والإِهمال عن تعمد وقصد ، لأن الناسى حقيقة لا يؤاخذه الله - تعالى - والإِتيان بالفاء فى قوله { فَنَسُواْ } للإشارة إلى أن تركهم لما أخذ عليهم من ميثاق ، كان عن تعجل وعدم تمهل بسبب استيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم . والتنكير فى قوله تعالى { حَظّاً } للتهويل والتكثير . أى تركوا نصيباً كبيراً مما أمرتهم به شريعتهم من وجوب ابتاعهم للحق وإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره " فكان تركهم لهذا النصيب العظيم مما ذكروا به سببا فى ضلالهم وسوء عاقبتهم . قال بعض العلماء " وسبب نسيان حظ أى نصيب كبير مما ذكروا به ، هو اضطهاد النصارى اضطهاداً شديداً فى عهد الرومان حتى ضاعت كتبهم ولم يعرف شىء منها إلا قليل غير سليم بعد مائتى سنة من ترك المسيح هذه الدنيا . وما ظهرت هذه الأناجيل التى يتدارسونها - ولا يزالون يغيرون ويبدلون فيها على حسب الطبعات المختلفة - إلا بعد أن دخل قسطنطين أمبراطور الرومان فى المسيحية ، وغير وبدل فى مجمع نيقية الذى انعقد فى سنة 325 ميلادية . وقد ذهب لب الديانة وهو التوحيد " . وقوله { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } وعيد شديد لهم بسبب تركهم لما أرشدوا إليه ، ولما ذكروا به . فالفاء فى قوله - تعالى - { فَأَغْرَيْنَا } للسبيبة وأغرينا أى ألقينا وهيجنا وألصقنا . يقال أغريت فلانا بكذا حتى أغرى به ، أى ألزمته به وألصقته وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلتصق به الشىء . وقوله { بينهم } ظرف لأغرينا . والضمير فيه يعود إلى فرق النصارى المتعددة عند جمهور المفسرين . والمعنى بسبب ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى لما ذكروا به فرقناهم شيعاً وأحزاباً وجعلنا كل فرقة منهم تعادى الأخرى وتبغضها إلى يوم القيامة . ويرى بعضهم أن الضمير فى قوله { بينهم } تعود إلى اليهود والنصارى ، فيكون المعنى بسبب ما عليه الطائفتان من عناد وضلال ، ألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، فهم فى عداوة شديدة ، وكراهية مستحكمة . وقد رجح ابن جرير عودة الضمير إلى فرق النصارى فقال وأولى التأويلين بالآية عندى ما قاله الربيع بن أنس وغيره . وهو أن المعنى بالإِغراء بينهم النصارى فى هذه الآية خاصة وأن الهاء والميم عائدتان على النصارى ، دون اليهود ، لأن ذكر الإِغراء فى خبر الله عن النصارى بعد تقضى خبره عن اليهود ، وبعد ابتداء خبره عن النصارى ، فلأن يكون ذلك معنياً به النصارى خاصة . أولى من أن يكون معنيا به الحزبان جميعا لما ذكرناه " . وقال ابن كثير قوله - تعالى - { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } أى فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضا ، ولا يزالون كذلك إلى يوم قيام الساعة . وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضا ، ويلعن بعضهم بعضا ، فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها فالملكانية تكفر اليعقوبية ، وكذلك الآخرون . وكذلك النسطورية الآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى فى هذه الدنيا ويوم يقود الأشهاد " . والذى تطمئن إليه النفس أن قوله - تعالى - { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } يشمل ما بين اليهود والنصارى من عداوة ظاهرة مستحكمة يراها الرائى فى كل العصور والأزمان ، كما يشمل ما بين فرق النصارى من اختلاف وتباغض وتقاتل بسبب عقائدهم الزائغة وأهوائهم الفاسدة . وما نراه من تصارع وتقاتل بين طائفتى الكاثوليك والبروستانت فى . إيرلاندا وفى غيرها خير شاهد على صدق القرآن الكريم ، وأنه من عند الله - عز وجل - وقوله - تعالى - { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } بيان لسوء عاقبتهم فى الآخرة بعد بيان ما حكم به عليه فى الدنيا من عداوة وبغضاء . و { سوف } هنا لتأكيد الخبر وتقويته وبيان أنه وإن تأخر آت لا محالة . والمعنى لقد ألقينا العداوة والبغضاء بين هذه الطوائف الضالة وسوف يخبرهم الله فى الآخرة بما كانوا يصنعون من كتمان الحق ، ومخالفة للرسل ، وانغماس فى الباطل ، وسيجازيهم على كل ذلك بما يستحقون من عذاب شديد . وبعد أن بين - سبحانه - بعض الرذائل التى انغمس فيها اليهود والنصارى . وجه إليهم نداء دعاهم فيه إلى الدخول فى الدين الحق الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ … }