Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 36-37)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بآياتنا وجحدوا الحق الذى جاءتهم به رسلنا { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أى لو أن لم جميع ما فى الأرض من أموال وخيرات ومنافع { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } أى وضعفه معه ، وقدموا كل ذلك { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } أى ليخلصوا به أنفسهم { مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } أى ما قبله الله منهم ، لأن سنته قد اقتضت أن تكون نجاة الإِنسان من العذاب يوم القيامة متوقفة على الإِيمان والعمل الصالح ، لا على الأموال وما يشبهها من حطام الدنيا مهما عظم شأنها وكثر عددها . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أى شديد فى آلامه وأوجاعه . فالآية الكريمة تبين ما أعده الله - تعالى - يوم القيامة للكافرين بآياته من عذاب أليم ، لن يصرفه عنهم صارف مهما قدموا من ثمن ، أو بذلوا من أموال . وقوله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } إلخ ، جملة شرطية جوابها قوله تعالى { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } وهذه الجملة الشرطية وجوابها خبر إن فى قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . وصدرت الآية الكريمة بأداة التوكيد " إن " للرد على ما ينكره الكافرون من وقوع عذاب عليهم يوم القيامة فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } . والمراد بقوله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } أى لو أن لكل واحد منهم منفرداً ، ما فى الأرض جميعا ومثله معه ، وقدمه يوم القيامة ليخلص نفسه من العذاب ، ما قبل منه ذلك الذى قدمه . وفى ذلك ما فيه من ثبوت العذاب عليهم ووقوعه بهم لا محالة . وقوله { جميعا } توكيد للموصول وهو { ما } فى قوله { مَّا فِي ٱلأَرْضِ } أو حال منه وقوله { ومثله } معطوف على اسم أن وهو { ما } الموصولة . وقوله معه ظرف واقع موقع الحال من المعطوف والضمير يعود إلى الموصول . وجاء الضمير المجرور فى قوله { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } بصيغة الإِفراد ، مع أن الذى تقدمه شيئان وهما ما فى الأرض جميعا ومثله . للإِشارة إلى أنهما لتلازمهما قد صارا بمنزلة شىء واحد . أو لإِجراء الضمير مجرى اسم الإِشارة بأن يؤول المرجع المتعدد بالمذكور أى ليفتدوا بذلك المذكور من عذاب يوم القيامة ما تقيل منهم . ونفى - سبحانه - قبول الفدية منهم بقوله { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُم } لإِفادة تأكيد هذا النفى واستبعاده ، إذ أن صيغة " التقبل " تدل على تكلف القبول أى أنه لا يمكن قبول الفداء منهم مهما قدموا من أموال ومهما بذلوا من محاولات فى سبيل الوصول لغرضهم . قال الفخر الرازى والمقصود من هذا الكلام التمثيل للزوم العذاب لهم ، فإنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه . روى البخارى عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى عليه وسلم " يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك ؟ فيقول شر مضجع . فيقال له . أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدى به ؟ فيقول نعم ، فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك أن لا تشرك بالله شيئاً فيؤمر به إلى النار " . وقوله - تعالى - { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } . بيان لدوام نزول العذاب بهم بعد بيان شدة آلامه وأوجاعه . أى يريد هؤلاء الكافرون { أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } بعد أن ذاقوا عذابها وآلامها ، { وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا } أبدا ، بسبب ما ارتكبوه فى الدنيا من قبائح ومنكرات { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أى دائم ثابت لا ينقطع . فأنت ترى هاتين الآيتين قد بينتا سوء عاقبة الكافرين ، بعد أن رغب - سبحانه - المؤمنين فى التقرب إليه بالإِيمان والعمل الصالح ، وذلك لكى يزداد المؤمنون إيمانا . ولكى ينصرف الناس عن الكفر والفسوق والعصيان إلى الإِيمان والطاعة والاستجابة لتعاليم الله الواحد القهار . وبعد أن بين - سبحانه - عقوبة الذين يحاربون الله ورسوله ، ودعا المؤمنين إلى التقرب إليه بالعمل الصالح وبين سوء عاقبة الكافرين . بعد أن بين كل ذلك أعقبه ببيان عقوبة السرقة فقال - تعالى { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ … }