Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 161-165)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى قل يا محمد لهؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ، ولغيرهم ممن أرسلت إليهم ، قل لهم جميعاً لقد هدانى خالقى ومربينى إلى دين الإِسلام الذى ارتضاه لعباده { دِيناً قِيَماً } أى ثابتاً أبداً لا تغيره الملل والنحل ولا تنسخه الشرائع والكتب . وقوله { دِيناً } نصب على البدل من محل { إِلَىٰ صِرَاطٍ } لأن معناه هدانى صراطاً ، أو مفعول لمضمر يدل عليه المذكور . أى عرفنى ديناً . وقوله { قِيَماً } صفى لـ { دِيناً } والقَيِّم والقِيَم لغتان بمعنى واحد وقرىء بهما . وقوله { مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } منصوب بتقدير أعنى أو عطف بيان لـ { دِيناً } و { حَنِيفاً } حال من إبراهيم . أى هدانى ربى ووفقنى إلى دين الإِسلام الذى هو الصراط المستقيم والدين القيم المتفق مع ملة إبراهيم الذى كان مائلا عن كل دين باطل إلى دين الحق ، والذى ما كان أبدا { مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } مع الله آلهة أخرى فى شأن من شئونه . لا كما يزعم المشركون وأهل الكتاب أن إبراهيم كان على دينهم . ثم قل لهم للمرة الثانية إن صلاتى التى أتوجه بها إلى ربى { وَنُسُكِي } أى عبادتى وتقربى إليه - وهو من عطف العام على الخاص - وقيل المراد به ذبائح الحج والعمرة . { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي } أى ما أعمله فى حياتى من أعمال وما أموت عليه من الإِيمان والعمل الصالح . كل ذلك { للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فأنا متجرد تجرداً كاملا لخالقى ورازقى بكل خالجة فى القلب ، وبكل حكة فى هذه الحياة . فهو - سبحانه - رب كل شىء . ولا شريك له فى ملكه ، بذلك القول الطيب ، وبذلك العمل الخالص أمرت وأنا أول المسلمين الممتثلين لأوامر الله والمنتهين عن نواهيه من هذه الأمة . ثم قال لهم للمرة الثالثة على سبيل التعجب من حالهم ، والاستنكار لواقعهم { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } أى أغير الله - تعالى - تريدوننى أن أطلب رباً فأشركه فى عبادته ، والحال والشأن أنه - سبحانه - هو رب كل شىء ومليكه ، وهو الخالق لكل شىء . فجملة { وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } حال فى موضع العلة لإِنكار ما هم عليه من ضلال . ثم بين - سبحانه - أن كل إنسان مجازى بعمله فقال { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } أى لا تجترح نفس إثما إلا عليها من حيث عقابه . فلا يؤاخذ سواها به ، وكل مرتكب لإِثم فهو وحده المعاقب به . { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أى ولا تحمل نفس مذنبة ولا غير مذنبة ذنب نفس أخرى ، وإنما تتحمل الآثمة وحدها عقوبة إثمها الذى ارتكبته بالمباشرة أو بالتسبب . قال القرطبى وأصل الوزر الثقل ، ومنه قوله تعالى { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } وهو هنا الذنب كما فى قوله تعالى { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } ثم بين - سبحانه - نهايتهم فقال { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } أى رجوعكم بعد الموت يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } بتمييز الحق من الباطل ، ومجازاة كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر على حسب علمه . ثم ختمت السورة بهذه الآية { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } أى خلائف القرون الماضية ، فأورثكم أرضهم لتخلفوهم فيها وتعمروها بعدهم . وخلائف جمع خليفة ، وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة ، لأنه يخلفه . وقوله { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } أى فاوت بينكم فى الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوىء والمناظر والأشكال والألوان وغير ذلك . ثم بين - سبحانه - العلة فى ذلك فقال { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } أى ليختبركم فى الذى أنعم به عليكم ، يختبر الغنى فى غناه ويسأله عن شكره ، ويختبر الفقير فى فقره ويسأله عن صبره . وفى الحديث الشريف الذى رواه الإمام مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الدنيا حلوة خضرة . وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء " . ثم رهب - سبحانه - من معصيته ، ورغب فى طاعته فقال { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } لمن عصاه وخالف رسله . { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن أطاعه واتبع سبيل المؤمنين الصادقين . أما بعد فهذه هى سورة الأنعام التى عالجت من مبدئها إلى نهايتها قضية العقيدة بكل مقوماتها علاجاً قوياً حكيماً يهدى إلى الرشد لمن عنده الاستعداد لذلك ، والتى طوفت بالنفس البشرية فى الكون كله لترشدها إلى خلق هذا الكون ، وتجعلها تستجيب له وتنتفع بما منحها من نعم ، والتى كشفت عن مواطن الشرك ومظاهره فى كل مظانه ومكامنه . لتدمغه وتدحضه وتخلص النفس البشرية والحياة الإِنسانية من أمراضه وأدرانه . تلك هى سورة الأنعام التى نزلت مشعة بالملأ العظيم من الملائكة وذلك تفسير تحليلى لها ، لا نزعم أننا استقصينا فيه كل ما يتعلق بهذه السورة الكريمة ، من توجيهات وهدايات ، وإنما هو قبسات من نور القرآن الكريم ، نرجو الله أن ينفع به ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم . { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .