Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 142-144)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال صاحب الكشاف " روى أن موسى - عليه السلام - وعد بنى إسرائيل وهو بمصر ، إن أهلك الله عدوهم اتاهم بكتاب من عند الله ، فيه بيان ما يأتون وما يذرون ، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذى القعدة ، فلما اتم الثلاثين انكر خلوف فمه فتسوك . فقالت له الملائكة كنا نشم من فمك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله - تعالى - أن يزيد عليها عشرة أيام من ذى الحجة لذلك . وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من الله ثم انزل الله عليه فى العشر التوراة وكلمه فيها " . والمواعدة مفاعلة من الجانبين ، وهى هنا على غير بابها ، لأن المراد بها هنا أن الله - تعالى - أمر موسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيداً لإِعطائه التوراة ، ويؤيد ذلك قراءة أبى عمرو ويعقوب " وعدنا " . وقيل المفاعلة على بابها على معنى أن الله - تعالى - وعد نبيه موسى أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال . وقوله { ثَلاَثِينَ } مفعول ثان لواعدنا بحذف المضاف ، أى إتمام ثلاثين ليلة أو إتيانها . والضمير فى قوله { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } يعود على المواعدة المفهومة من قوله { وَاعَدْنَا } أى وأتممنا مواعدته بعشر ، أو أنه يعود على ثلاثين وحذف تمييز عشر لدلالة الكلام عليه ، أى وأتممناها بعشر ليال . و { أَرْبَعِينَ } منصوب على الحالية أى فتم ميقات ربه بالغاً أربعين ليلة . ثم حكى - سبحانه - ما وصى به موسى أخاه هارون فقال { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } أى قال موسى لأخيه هارون حين استودعه ليذهب لمناجاة ربه كن خليفتى فى قومى ، وراقبهم فيما يأتون ويذرون فإنهم فى حاجة إلى ذلك لضعف إيمانهم ، واستيلاء الشهوات والأهواء عليهم { وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } الذين { إِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } وإننا لنلمح من هذه الوصية أن موسى - عليه السلام - كان متوقعاً شراً من قومه ، ولقد صح ما توقعه ، فإنهم بعد أن فارقهم موسى استغلوا جانب اللين فى هارون فعبدوا عجلا جسداً له خوار صنعه لهم السامرى … ثم حكى القرآن ما كان من موسى عندما وصل إلى طور سيناء لمناجاة ربه فقال { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } أى وحين حضر موسى لموقتنا الذى وقتناه له وحددناه ، وكلمه ربه ، أى خاطيه من غير واسطة ملك { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } أى قال موسى حين كلمه ربه وسمع منه رب أرنى ذاتك الجليلة . والمراد مكنى من رؤيتك . أو تجلى لى أنظر إليك وأراك . و { أَرِنِيۤ } فعل أمر مبنى على حذف الياء . وياء المتكلم مفعول ، والمفعول الثانى محذوف أى ذاتك أو نفسك ولم يصرح به لأنه معلوم ، وزيادة فى التأدب مع الخالق - عز وجل - . وجملة { قَالَ لَن تَرَانِي } مستأنفة استئنافاً بيانيا ، كأنه قيل فماذا قال الله - تعالى - حين قال موسى ذلك ، فكان الجواب { قَالَ لَن تَرَانِي } أى لن تطيق رؤيتى ، وأنت فى هذه النشأة وعلى الحالة التى أنت عليها فى هذه الدنيا فنفى الرؤية منصب على الحالة الدنيوية ، أما فى الآخرة فقد ثبت فى الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين يرون ربهم فى روضات الجنات . ثم قال - تعالى - { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } أى لن تطيق رؤيتى يا موسى وأنت فى هذه الحياة الدنيا ، ولكن انظر إلى الجبل الذى هو أقوى منك ، فإن استقر مكانه أى ثبت مكانه حيت أتجلى له ولم يتفتت من هذا التجلى ، فسوف ترانى أى تثبت لرؤيتى إذا تجليت لك وإلا فلا طاقة لك برؤيتى . وفى هذا الاستدراك { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ } … الخ ، تسلية لموسى - عليه السلام - وتلطف معه فى الخطاب ، وتكريم له ، وتعظيم لأمر الرؤية ، وأنه لا يقوى عليها إلا من قواه الله بمعونته . ثم بين - سبحانه - ما حدث للجبل عند التجلى فقال { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } أى فحين ظهر نوره - سبحانه - للجبل على الوجه اللائق بجلاله { جَعَلَهُ دَكّاً } أى مدقوقا مفتتا ، فنبه - سبحانه - بذلك على أن الجبل مع شدته وصلابته ما دام لم يستقر عند هذا التجلى ، فالآدمى مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقر . والدك والدق بمعنى ، وهو تفتيت الشىء وسحقه وفعله من باب رد . قال الآلوسى وهذا كما لا يخفى من المتشابهات التى يسلك فيها طريق التسليم وهو أسلم وأحكم ، أو التأويل بما يليق بجلال ذاته - تعالى - . وقوله { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } أى سقط من هول ما رأى من النور الذى حصل به التجلى مغشيا عليه ، كمن أخذته الصاعقة . يقال صعقتهم السماء تصعقهم صعقا فهو صعق أى غشى عليه . وقوله { فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أى فلما أفاق موسى من غشيته ، وعاد إلى حالته الأولى التى كان عليها قبل أن يخر مغشيا عليه ، قال تعظيما لأمر الله { سُبْحَانَكَ } أى تنزيها لك من مشابهة خلقك فى شىء { تُبْتُ إِلَيْكَ } من الإِقدام على السؤال بغير إذن { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بعظمتك وجلالك أو وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك أحد . قال أبو العالية قد كان قبله مؤمنون ولكن يقول أنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة . قال ابن كثير وهو قول حسن . هذا ، وقد توسع بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآية فى الحديث عن رؤية الله - تعالى - وعلى رأس هذا البعض الإِمام الآلوسى ، فقد قال - رحمه الله - " واستدل أهل السنة المجوزون لرؤيته - سبحانه - بهذه الآية على جوازها فى الجملة ، واستدل بها المعتزلة النفاة على خلاف ذلك ، وقامت الحرب بينهما على ساق ، وخلاصة الكلام فى ذلك أن أهل السنة قالوا إن الآية تدل على إمكان الرؤية من وجهين . الأول أن موسى - عليه السلام - سألها بقوله { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } ولو كانت مستحيلة فإن كان موسى عالما بالاستحالة فالعالم - فضلا عن النبى مطلقا ، فضلا عمن هو من أولى العزم - لا يسأل المحال ولا يطلبه . وإن لم يكن عالما بذلك ، لزم أن يكون آحاد المعتزلة أعلم بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز من النبى الصفى ، والقول بذلك غاية الجهل والرعونة و حيث بطل القول بالاستحالة تعين القول بالجواز . والثانى أن فيها تعليق الرؤية على استقرار الجبل وهو ممكن فى ذاته وما علق على الممكن ممكن " . ثم قال ما ملخصه واعترض الخصوم على الوجه الأول بوجوه منها أنا لا نسلم أن موسى سأل الرؤية وإنما سأل العلم الضرورى به - تعالى - إلا أنه عبر عنه بالرؤية مجازاً . أو أنه سأل رؤية علم من أعلام الساعة بطريق حذف المضاف ، أى أرنى أنظر إلى علم من أعلامك الدالة على الساعة . أو أنه سأل الرؤية لا لنفسه ولكن لدفع قومه القائلين { أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } وإنما أضاف الرؤية إليه دونهم ليكون منعه أبلغ فى دفعهم وردعهم عما سألوه تنبيها بالأدنى على الأعلى . واعترضوا على الوجه الثانى بأنا لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن ، لأن التعليق لم يكن على استقرار الجبل حال سكونه وإلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط ، لأن الجبل حال سكونه كان مستقرا ، بل على استقراره حال حركته وهو محال لذاته . ثم أورد الآلوسى بعد ذلك ما رد به كل فريق على الآخر مما لا مجال لذكره هنا . والذى نراه أن رؤية الله فى الآخرة ممكنة كما قال أهل السنة لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التى تشهد بذلك ، أما فى الدنيا فقد منع العلماء وقوعها ، وقد بينا ذلك بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لقوله - تعالى - { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } ثم حكى القرآن بعد ذلك ما كرم الله - تعالى - به موسى - عليه السلام فقال { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } . الاصطفاء . افتعال من الصفوة ، وصفوة الشىء خالصة وخياره أى قال الله تعالى - لموسى إنى اخترتك واجتبيتك على الناس الموجودين فى زمانك لأن الرسل كانوا قبل موسى وبعده ، فهو اصطفاء على جيل معين من الناس بحكم هذه القرينة . وقوله { بِرِسَالاَتِي } أى بأسفار التوراة ، أو بإرسالى إياك إلى من أرسلت إليهم . و { بِكَلاَمِي } أى بتكليمى إياك بغير واسطة قال - تعالى - { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } والجملة الكريمة مسوقة لتسليته - عليه السلام - عما أصابه من عدم الرؤية فكأنه - سبحانه - يقول له إن منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظام ما أعطيتك فاغتنمه ودم على شكرى . وقدم الرسالة على الكلام لأنها أسبق ، أو ليترقى إلى الأشرف . ثم قال - تعالى - { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } أى فخذ يا موسى ما أعطيتك من شرف الاصطفاء والنبوة والمناجاة وكن من الراسخين فى الشكر على ما أنعمت به عليك ، فأنت أسوة وقدوة لأهل زمانك .