Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-188)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الآلوسى " عن ابن عباس أن قوماً من اليهود قالوا يا محمد ، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا . إنا نعلم متى هى ، وكان ذلك امتحاناً منهم ، مع علمهم أن الله - تعالى - قد استاثر بعلمها . وأخرج ابن جرير عن قتادة أن جماعة من قريش قالوا يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة فنزلت " . وقوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } استئناف مسوق لبيان بعض أنواع ضلالهم وطغيانهم . والساعة فى الأصل اسم لمدار قليل من الزمان غير معين ، وتطلق فى عرف الشرع على يوم القيامة وهو المراد بالسؤال هنا . وأطلق على يوم القيامة ساعة إما لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما فيه من الحساب ، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى - . و { أَيَّانَ } ظرف زمان متضمن معنى متى . و { مُرْسَاهَا } مصدر ميمى من أرساها إذا اثبته وأقره ، ولا يكاد يستعمل الإِرساء إلا فى الشىء الثقيل كما فى قوله - تعالى - { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعانى بالأجسام . و { أَيَّانَ } خبر مقدم و { مُرْسَاهَا } مبتدأ مؤخر . والمعنى يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن الساعة قائلين أيان مرساها ؟ . أى متى إرساؤها واستقرارها ، أو متى زمن مجيئها وحصولها ؟ . وقوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } جواب عن سؤالهم أى قل أيها الرسول الكريم علم الساعة أو علم قيامها عند ربى وحده ليس عندى ولا عند غيرى من الخلق شىء منه . والتعبير بإنما المفيد للحصر للاشعار بأنه - سبحانه - هو الذى استأثر بعلم ذلك ولم يخبر أحدا به من ملك مقرب أو نبى مرسل . وقوله { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإِخبار . والتجلية الكشف والإِظهار . يقال جلى لى الأمر وانجلى تجلية بمعنى كشفه وأظهره أتم الاظهار . والمعنى لا يكشف الحجاب عن خفائها ، ولا يظهرها للناس فى الوقت الذى يختاره إلا الله وحده . قال بعضهم والسبب فى إخفاء الساعة عن العباد لكى يكونوا دائما على حذر ، فيكون ذلك أدعى للطاعة وأزجر عن المعصية ، فإنه متى علمها المكلف ربما تقاصر عن التوبة وأخرها . ثم عظم - سبحانه - أمر الساعة فقال { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى كبرت أو شقت على أهلها لخوفهم من شدائدها وأهوالها وما فيها من محاسبة ومجازاة ، وعن السدى أن من خفى عليه علم شىء كان ثقيلا عليه . أو المعنى ثقلت عند الوقوع على نفس السماوات حتى انشقت وانتثرت نجومها وكورت شمسها ، وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها ، وسجرت بحارها ، وقوله { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أى لا تأتيكم إلا فجأة وعلى حين غفلة من غير توقع ولا انتظار . وقد وردت أحاديث متعددة تؤيد وقوع الساعة فجأة ، ومنها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه . ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته - أى ناقته ذات اللبن - فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه - أى يطليه بالجص أو الطين - فلا يسقى فيه . ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فمه فلا يطعمها " . ثم قال - تعالى - { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . أى يسألونك يا محمد هذا السؤال كأنك حفى عنها أى كأنك عالم بها . من حفى عن الشىء إذا بحث عن تعرف حاله بتتبع واستقصاء ومن بحث عن شىء وسأل عنه استحكم علمه به ، وعدى { حَفِيٌّ } بعن اعتباراً لأصل معناه ، وهو السؤال والبحث . قال صاحب الكشاف " { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } عالم بها . وحقيقته كأنك بليغ فى السؤال عنها ، لأن من بالغ فى المسألة عن الشىء والتنقير عنه . استحكم علمه فيه ورصن - أى ثبت وتمكن - ، وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه احفاء الشارب ، واحتفاء البقل ، استئصاله ، وأحفى فى المسألة إذا ألحف - إى ألح وتشدد - وحفى بقلان وتحفى به بالغ فى البربه . وقيل إن قريشا قالت له إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ؟ فقيل يسألونك عنها كأنك حفى تتحفى بهم فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوى علمها عن غيرهم ، ولو أخبرت بوقتها لمصلحة عرفها الله فى إخبارك به ، لكنت مبلغه للقريب والبعيد من غير تخصيص ، كسائر ما أوحى إليك . ثم قال فإن قلت لم كرر يسألونك وإنما علمها عند الله ؟ قلت للتأكيد ولما جاء به من زيادة قوله { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وعلى هذا تكرير العلماء والحذاق " . وقال صاحب الانتصاف وفى هذا النوع من التكرير نكتة لا تلقى إلا فى الكتاب العزيز ، وهو أجل من أن يشارك فيها . وذاك أن المعهود فى أمثال هذا التكرار أن الكلام إذا بنى على مقصد واعترض فى أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول وقد بعد عهده ، طرى بذكر المقصد الأول لتتصل نهايته ببدايته ، وقد تقدم لذلك فى الكتاب العزيز أمثال ، وسيأتى ، وهذا منها فإنه لما ابتدأ الكلام . بقوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } ثم اعترض ذكر الجواب المضمن فى قوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } إلى قوله { بَغْتَةً } أن يدمغ تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإِنكار عليهم ، وهو المضمن فى قوله { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وهو شديد التعلق بالسؤال وقد بعد عهده ، فطرى ذكره تطرية عامة ، ولا تراه أبداً يطرى إلا بنوع من الإِجمال كالتذكرة للأول مستغنى عن تفصيله بما تقدم . فمن ثم قيل { يَسْأَلُونَكَ } ولم يذكر المسئول عنه وهو " الساعة " اكتفاء بما تقدم ، فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } ويلاحظ هذا فى تلخيص الكلام بعد بسطه " . هذا ، وإذا كان علم الساعة مرده إلى الله وحده ، فإن هناك نصوصاً من الكتاب والسنة تحدثت عن أماراتها وعلاماتها ، ومن ذلك قوله - تعالى - { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } والأشراط جمع شرط - بفتح الشين والراء - وهى العلامات الدالة على قربها ، وأعظم هذه العلامات بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ بها كمل الدين وما بعد الكمال إلا الزوال . وقد ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " بعثت أنا والساعة كهاتين " ويفرج بين أصبعيه الوسطى والسبابة . وفى حديث جبريل المشهور " أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك أشراطها " إذ ولدت الأمة ربها - أى سيدها - ، وإذا تطاول رعاة الإِبل فى البنيان " . ومن علامات الساعة - كما صرحت بذلك الأحاديث - قبض العلم ، ففى الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " ومنها - أى من علامات الساعة - كثرة الزلازل ، وتقارب الزمان - اى قلة البركة فى الوقت بحيث يمر الشهر كأنه أسبوع - ، وظهور الفتن وكثرة الهرج - أى القتل إلى غير ذلك من العلامات التى وردت فى الأحاديث النبوية ، وقد ساق بعض المفسرين وعلى رأسهم ابن كثير جملة منها . ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس أن كل الأمور بيد الله - تعالى - ، وأن علم الغيب كله مرجعة إليه - سبحانه - فقال { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } أى لا أملك لأجل نفسى جلب نفع ما ولا دفع ضرر ما . وقوله { لِنَفْسِي } متعلق بأملك . أو بمحذوف وقع حالا من { نَفْعاً } والمراد لا أملك ذلك فى وقت من الأوقات . وقوله { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } استثناء متصل . أى لا أملك لنفسى نفعا ولا ضراً فى وقت من الأوقات إلا فى وقت مشيئة الله بأن يمكننى من ذلك ، فإننى حينئذ أملكه بمشيئته . وقيل الاستثناء منقطع ، أى لكن ما شاء الله من ذلك كائن . وقوله { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } أى لكانت حالى - كما قال الزمخشرى - " على خلاف ما هى عليه من استكثار الخير ، واستغزار المنافع واجتناب السوء والمضار حتى لا يمسنى شىء منها ولم أكن غالبا مرة ومغلوبا أخرى فى الحروب ، ورابحا وخاسرا فى التجارات ومصيبا ومخطئا فى التدابير " . قال الجمل فإن قلت قد أخبر صلى الله عليه وسلم عن المغيبات وقد جاءت أحاديث فى الصحيح بذلك وهو من أعظم معجزاته فكيف نوفق بينه وبين قوله - تعالى - { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } … الخ … ؟ قلت يحتمل أنه قاله على سبيل التواضع والأدب ، والمعنى لا أعلم الغيب إلا أن يطلعنى الله عليه ويقدره لى . ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله على علم الغيب . فلما أطلعه الله أخبر به كما قال - تعالى - { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم ، ثم بعد ذلك أظهره - سبحانه - على أشياء من المغيبات فأخبر عنها ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته . ثم بين القرآن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أى ما أنا إلا عبد أرسلنى الله نذيراً وبشيراً ، وليس من مهمتى أو وظيفتى معرفة علم الغيب . وقوله { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يجوز أن يتعلق بقوله { نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } جميعا لأن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالإِنذار والتبشير ، ويجوز أن يتعلق بقوله { بَشِيرٌ } وحده ، وعليه يكون متعلق النذير محذوف أى للكافرين . وحذف للعلم به وبهذا الإِعلان من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم للناس عن وظيفته ، تتم لعقيدة التوحيد الإِسلامية كل خصائص التجريد المطلق من الشرك فى أية صورة من صوره ، وتنفرد الذات الإِلهية بخصائص لا يشاركها فيها بشر ولو كان هذا البشر محمداً صلى الله عليه وسلم فعند عتبة الغيب تقف الطاقة البشرية ، ويقف العلم البشرى ، وتقف القدرة البشرية ، إذ علم الغيب إنما هو لله الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء . ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن مظاهر قدرة الله وأدلة وحدانيته ، فذكرت الناس بمبدأ نشأتهم ، وكيف أن بعضهم قد انحرف عن طريق التوحيد إلى طريق الشرك ، وساقت ذلك فى صورة القصة لضرب المثل من واقع الحياة فقالت { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ … } .