Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 205-206)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى استحضر عظمة ربك - جل جلاله - فى قلبك . واذكره بما يقربك إليه عن طريق قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل وغير ذلك . وقوله { تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } فى موضع الحال بتأويل اسم الفاعل أى اذكره متضرعا متذللا له وخائفا منه - سبحانه - وقوله { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } معطوف على قوله { فِي نَفْسِكَ } أى اذكر ربك ذكراً فى نفسك ، وذكرا بلسانك دون الجهر . والمراد بالجهر رفع الصوت بإفراط ، وبما دونه مما هو أقل منه ، وهو الوسط بين الجهر والمخافتة ، قال ابن عباس هو أن يسمع نفسه . وقوله { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } متعلق باذكر ، والغدو جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس . والآصال جمع أصيل وهو من العصر إلى الغروب . أى اذكر ربك مستحضرا عظمته ، فى كل وقت ، وراقبه فى كل حال ، لا سيما فى هذين الوقتين لأنهما طرفا النهار ومن افتتح نهاره بذكر الله واختتمه به كان جديرا برعاية ربه . قيل وخص هذان الوقتان بالذكر لأنهما وقت سكون ودعة وتعبد واجتهاد . وما بينهما من أوقات الغالب فيها الانقطاع لأمر المعاش . ثم نهى - سبحانه - عن الغفلة عن ذكره فقال { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } الذين شغلتهم الدنيا عن ذكر الله . وفيه إشعار بطلب دوام ذكره - تعالى - واستحضار عظمته وجلاله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية . قال بعض العلماء ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن للذكر آدابا من أهمها 1 - أن يكون فى النفس لأن الإِخفاء أدخل فى الإِخلاص ، وأقرب إلى الإِجابة ، وأبعد من الرياء . 2 - أن يكون على سبيل التضرع وهو التذلل والخضوع والاعتراف بالتقصير . 3 - أن يكون على وجه الخيفة أى الخوف والخشية من سلطان الربوبية وعظمة الألوهية من المؤاخذة على التقصير فى العمل لتخشع النفس ويخضع القلب . 4 - أن يكون دون الجهر لأنه أقرب إلى حسن التفكر ، وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال " رفع الناس أصواتهم بالدعاء فى بعض الأسفار ، فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم يأيها الناس اربعوا على أنفسكم - أى هونوا على أنفسكم - فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً . إن الذى تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " . 5 - أن يكون باللسان لا بالقلب وحده ، وهو مستفاد من قوله { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ } لأن معناه ومتكلما كلاماً دون الجهر ، فيكون صفة لمعمول حال محذوفة ، معطوفاً على { تَضَرُّعاً } أو هو معطوف على { فِي نَفْسِكَ } أى اذكره ذكراً فى نفسك وذكراً بلسانك دون الجهر . ثم ذكر - سبحانه - ما يقوى دواعى الذكر ، وينهض بالهمم إليه ، بمدحه للملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } وهم ملائكة الملأ الأعلى . والمراد بالعندية القرب من الله - تعالى - بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزهه - سبحانه - عن ذلك . { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } بل يؤدونها حسبما أمروا به بخضوع وطاعة . { وَيُسَبِّحُونَهُ } أى ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله على ابلغ وجه . { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } أى يخصونه وحده بغاية العبودية والتذلل والخضوع ، ولا يشركون معه أحداً فى عبادة من عباداتهم . أما بعد فهذه هى سورة الأعراف التى سبحت بنا سبحاً طويلا وهى تحدثنا عن أدلة وحدانية الله ، وعن هداية القرآن الكريم ، وعن مظاهر نعم الله على خلقه ، وعن اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وعن بعض الأنبياء وما جرى لهم مع أقوامهم ، وكيف كانت عاقبة هؤلاء الأقوام ، وعن سنن الله - تعالى - فى إسعاد الأمم وإشقائها ، وغير ذلك من أصول التشريع وآداب الاجتماع ، وشئون البشر . وقد استعملت السورة فى أوامرها ونواهيها وتوجيهاتها أساليب التذكير بالنعم ، والتخويف من النقم ، وإيراد الحجج المقنعة ، ودفع الشبهات الفاسدة . وهذا تفسير لها تناولنا فيه بالشرح والتحليل ما اشتملت عليه من توجيهات سامية ، وآداب عالية ، ومقاصد جليلة ، وحجج باهرة ، ومواعظ مؤثرة . والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعا لنا يوم الدين . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .