Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 85-87)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أى وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا . ومدين اسم للقبيلة التى تنسب إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام - وكانوا يسكنون فى المنطقة التى تسمى معان بين حدود الحجاز والشام ، وهم أصحاب الأيكة - والأيكة منطقة مليئة بالشجر كانت مجاورة لقرية معان ، وكان يسكنها بعض الناس فأرسل الله شعيبا إليهم جميعا . وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم فهو أخوهم فى النسب وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيب قال " ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته " . وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان فدعاهم إلى توحيد الله - تعالى - ونهاهم عن الخيانة وسوء الأخلاق . وعن السدى وعكرمة أن شعيبا أرسل إلى أمتين أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة ، وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة ، وأنه لم يبعث نبى مرتين إلا شعيب - عليه السلام - . ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة فأهل مدين هم أصحاب الأيكة أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة - أى السحابة - ، وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر . وبعد أن دعاهم إلى وحدانية الله شأن جميع الرسل فى بدء دعوتهم قال لهم { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أى قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوتى توجب عليكم الإِيمان بى والأخذ بما آمركم به والانتهاء عما أنهاكم عنه . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما كانت معجزته ؟ قلت قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } ، ولأنه لا بد لمدعى النبوة من معجزة تشهد له وتصدقه وإلا لم تصح دعواه ، وكان متنبئا لا نبياً ، غير أن معجزته لم تذكر فى القرآن كما لم تذكر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه . ثم أخذ فى نهيهم عن أبرز المنكرات التى كانت متفشية فيهم فقال - كما حكى القرآن عنه - { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } الكيل والميزان مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن به ، كالعيش بمعنى ما يعاش به . أو المكيل والموزون . أى فأتموا الكيل والميزان للناس بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان ، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة . { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } أى ولا تنقصوهم حقوقهم بتطفيف الكيل ونقص الوزن فيما يجرى بينكم وبينهم من معاملات . يقال بخسه حقه يبخسه إذا نقصه إياه . وظلمه فيه " وتبخسوا " تعدى إلى مفعولين أولهما الناس والثانى أشياءهم . وفائدة التصريح بالنهى عن النقص بعد الأمر بالإِيفاء ، تأكيد ذلك الأمر وبيان قبح ضده . قال الآلوسى وقد يراد بالأشياء الحقوق مطلقا فإنهم كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه . وقد جاء عن ابن عباس أنهم كانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم . قيل ويدخل فى ذلك بخس الرجل حقه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه . وكثير ممن ينتسب إلى أهل العلم اليوم مبتلون بهذا البخس ، وليتهم قنعوا به بل جمعوا " حشفا وسوء كيلة " فإنا لله وإنا إليه راجعون . ثم نهاهم عن الافساد بوجه عام فقال { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } أى لا تفسدوا فى الأرض بما ترتكبون فيها من ظلم وبغى ، وكفر وعصيان ، بعد أن أصلح أمرها وأمر أهلها الأنبياء وأتباعهم الصالحون الذين يعدلون فى معاملاتهم ويلتزمون الحق فى كل تصرفاتهم . ثم ختمت الآية بتلك الجملة الكريمة التى استجاش بها شعيب مشاعر الإِيمان فى نفوس قومه حيث قال لهم { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } . أى ذلكم الذى آمركم به وأنهاكم عنه خير لكم فى الحال والمآل فبادروا إلى الاستجابة لى إن كنتم مصدقين قولى ، ومنتفعين بالهدايات التى جئت بها إليكم من ربكم . فاسم الإِشارة { ذٰلِكُمْ } يعود إلى ما ذكر من الأمر بالوفاء فى الكيل والميزان والنهى عن بخس الناس أشياءهم وعن الافساد فى الأرض . ثم انتقل شعيب إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها فقال { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } توعدون من التوعد بمعنى التخويف والتهديد . أى ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بى بالقتل ، وتخيفونه بأنواع الأذى ، وتلصقون بى وأنا نبيكم التهم التى أنا برىء منها ، بأن تقولوا لمن يريد الإِيمان برسالتى إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم . وقوله { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً } أى وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به ، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها ، مع أنها هى الطريق المستقيم الذى هو أبعد ما يكون من شائبه الاعوجاج . قال صاحب الكشاف فإن قلت صراط الحق واحد { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } فكيف قيل بكل صراط ؟ قلت صراط الحق واحد ، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة ، فكانوا إذا رأوا أحداً يشرع فى شىء منها أوعدوه وصدوه فإن قلت إلام يرجع الضمير فى { آمَنَ بِهِ } ؟ قلا إلى كل صراط ، والتقدير توعدون من آمن به وتصدون عنه . فوضع الظاهر الذى هو سبيل الله موضع الضمير زيادة فى تقبيح أمرهم ، ودلالة على عظم ما يصدون عنه . وقوله توعدون . وتصدون ، وتبغون هذه الجمل أحوال ، أى لا تقعدوا موعدين وصادين ، وباغين ، ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب ، ثم ذكرهم شعيب بنعم الله عليهم فقال { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } أى اذكروا ذلك الزمن الذى كنتم فيه قليلى العدد فكثركم الله بأن جعلكم موفورى العدد ، وكنتم فى قلة من الأموال فأفاضها الله بين أيديكم ، فمن الواجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم ، وأن تفردوه بالعبادة والطاعة ثم اتبع هذا التذكير بالنعم بالتخويف من عواقب الافساد فقال { وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } أى انظروا نظر تأمل واعتبار كيف كانت عاقبة المفسدين من الأمم الخالية ، والقرون الماضية ، كقوم لوط وقوم صالح ، فسترون أنهم قد دمروا تدميراً بسبب إفسادهم فى الأرض ، وتكذيبهم لرسلهم { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } لأن سيركم على طريقهم سيؤدى بكم إلى الدمار . ثم نصحهم بأن يأخذوا أنفسهم بشىء من العدل وسعة الصدر ، وأن يتركوا أتباعه أحراراً فى عقيدتهم حتى يحكم الله بين الفريقين ، فقال { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } . أى إن كان بعضكم قد آمن بما أرسلنى الله به إليكم من التوحيد وحسن الأخلاق ، وبعضكم لم يؤمن بما أرسلت به بل اصر على شركه وعناده ، فتربصوا وانتظروا حتى يحكم الله بيننا وبينكم بحكمه العادل ، الذى يتجلى فى نصرة المؤمنين ، وإهلاك الظالمين ، وهو - سبحانه - خير الحاكمين . قال صاحب الكشاف " وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله منهم ، كقوله { فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } أو هو عظة للمؤمنين وحث على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم . ويجوز أن يكون خطابا للفريقين . أى ليصبر المؤمنون على أذى الكفار ، وليصبر الكفار على ما يسوءهم من إيمان من آمن حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب " . وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت لنا جانبا من الحجج الناصعة ، والنصائح الحكيمة ، والتوجيهات الرشيدة التى وجهها شعيب - خطيب الأنبياء إلى قومه . وارجع البصر - أيها القارئ الكريم - فى هذه النصائح ترى شعيبا - عليه السلام - يأمر قومه بوحدانية الله لأنها أساس العقيدة وركن الدين الأعظم ، ثم يتبع ذلك بمعالجة الجرائم التى كانت متفشية فيهم ، فيأمرهم بإيفائهم الكيل والميزان ، وينهاهم عن بخس الناس أشياءهم وعن الإِفساد فى الأرض ، وعن القعود فى الطرقات لتخويف الناس وتهديدهم ، وعن محاولة صرفهم عن طريق الحق ، بإلقاء الشبهات ، وإشاعة الأباطيل . مستعملا فى وعظه التذكير بنعم الله تارة . وبنقمه من المكذبين تارة أخرى . ولقد كان من المنتظر أن يتقبل قوم شعيب هذه المواعظ تقبلا حسنا ، وأن يصدقوه فيما يبلغه عن ربه ، ولكن المستكبرين منهم عموا وصموا عن الحق ، واستمع إلى القرآن وهو يحكى موقفهم فيقول { قَالَ ٱلْمَلأُ … } .