Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 50-51)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والخطاب فى قوله - تعالى - { وَلَوْ تَرَىٰ … } للنبى - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب و { لَوْ } شرطية ، وجوابها محذوف لتفظيع الأمر وتهويله . والمراد بالذين كفروا كل كافر ، وقيل المراد بهم قتلى غزوة بدر من المشركين . قال ابن كثير وهذا السياق وإن كان سببه غزوة بدر ، ولكنه علم فى حق كل كافر . ولهذا لم يخصصه الله بأهل بدر بل قال - سبحانه - { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ … } . والفعل المضارع هنا وهو { تَرَىٰ } بمعنى الماضى ، لأن لو الامتناعية ترد المضارع ماضيا . والفعل { يَتَوَفَّى } فاعله محذوف للعلم به وهو الله - عز وجل - وقوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هو المفعول وعليه يكون { ٱلْمَلاۤئِكَةُ } مبتدأ ، وجملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ … } خير . والمعنى لو عاينت وشاهدت أيها العاقل حال الذين كفروا حين يتوفى الله أرواحهم ، لعاينت وشاهدت منظراً مخيفا ، وأمراً فظيعاً تقشعر من هوله الأبدان . ثم فصل - سبحانه - هذا المنظر المخيف بجملة مستأنفة فقال { ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } والمراد بوجودههم ما أقبل منهم وبأدبارهم ما أدبر وهو كل الظهر . أى الملائكة عندما يتوفى الله - تعالى - هؤلاء الكفرة يضربون ما أقبل منهم وما أدبر ، لإِعراضهم عن الحق ، وإيثارهم الغى على الرشد . ومنهم من يرى أن الفعل { يَتَوَفَّى } فاعله { ٱلْمَلاۤئِكَةُ } وأن قوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هو المفعول وقدم على الفاعل للاهتمام به . وعليه تكون جملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ … } حال من الفاعل وهو الملائكة . فيكون المعنى ولو رأيت - أيها العاقل - حال الكافرين عندما تتوفى الملائكة أرواحهم فتضرب منهم الوجوه والأدبار ، لرأيت عندئذ ما يؤلم النفس ، ويخيف الفؤاد . ويبدو لنا أن التفسير الأول أبلغ ، لأن توضيح وتفصيل الرؤية بالجملة الاسمية المستأنفة خير منه بجملة الحال ، ولأن إسناد التوفى إلى الله أكثر مناسبة هنا ، إذ أن الله - تعالى - قد بين وظيفة الملائكة هنا فقال { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } . وخص - سبحانه - الضرب للوجوه والأدبار بالذكر ، لأن الوجوه أكرم الأعضاء ، ولأن الأدبار هى الأماكن التى يكره الناس التحدث عنها فضلا عن الضرب عليها . أو لأن الخزى والنكال فى ضربهما أشد وأعظم . وقوله { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } معطوف على قوله { يَضْرِبُونَ } بتقدير القول . أى يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم ذوقوا عذاب تلك النار المحرقة التى كنتم تكذبون بها فى الدنيا . والذوق حقيقة إدراك المطعومات . والأصل فيه أن يكون أمر مرغوب فى ذوقه وطلبه . والتعبير به هنا ذوق العذاب هو لون من التهكم عليهم ، والاستهزاء بهم ، كما فى قوله - تعالى - { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وهو أيضا يشعر بأن ما وقع عليهم من عذاب إنما هو بمنزلة المقدمة لما هو أشد منه ، كما أن الذوق عادة يكون كالمقدمة للمطعوم أو الشئ المذاق . وقوله { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } بيان للأسباب التى أدت بهم إلى هذا المصير السئ . وأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم بشؤم صنيعهم ، وانقيادهم للهوى والشيطان . أى ذلك الذى نزل بكم - أيها الكافرون - من الضرب وعذاب النار ، سببه ما قدمته أيديكم من عمل سئ ، وفعل قبيح ، وقول منكر ، وجحود للحق . وأن الله - تعالى - ليس بذى ظلم لكم ولا لغيركم ، لأن حكمته - سبحانه - قد اقتضت ألا يعذب أحدا إلا بسبب ذنب ارتكبه ، وجرم اقترفه . فاسم الإِشارة " ذلك " يعود إلى الضرب وعذاب الحريق ، وهو مبتدأ ، وخبره قوله { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } . والمراد بالأيدى الأنفس والذوات ، والتعبير بالأيدى عن ذلك من قبيل التعبير بالجزء عن الكل . وخصت الأيدى بالذكر ، للدلالة على التمكن من الفعل وإرادته ، وأن أكثر الأفعال يكون عن طريق البطش بالأيدى . ولأن نسبة الفعل إلى اليد تفيد الالتصاق به ، والاتصال بذاته . وقوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة اعتراض تذييلى مقرر مضمون ما قبله . أى ذلك الذى نزل بكم سببه ما قدمته أيديكم ، والأمر أن الله - تعالى - ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب جنوه . ويجوز أن يكون معطوفا على ما المجرورة بالباء . أى ذلك بسبب ما قدمته أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد . قال بعض العلماء فإن قيل ما سر التعبير بقوله { بِظَلاَّمٍ } بالمبالغة ، مع أن نفى نفس الظلم أبلغ من نفى كثرته ، ونفى الكثرة لا ينفى أصله ، بل ربما يشعر بوجوده ، وبرجوع النفى للقيد ؟ . وأجيب بأجوبة منها أنه نفى لأصل الظلم وكثرته ، باعتبار آحاد من ظلم ، كأنه قيل ظالم لفلان ولفلان وهلم جرا ، فلما جمع هؤلاء عدل إلى { ظَلاَّمٍ } لذلك ، أى لكثرة الكمية فيه . ومنها أنه إذا انتفى الظلم الكثير ، انتفى الظلم القليل ، لأن من يظلم يظلم للانتفاع بالظلم ، فإذا ترك كثيره ، مع زيادة نفعه فى حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا . ومنها أن " ظلاما " للنسب كعطار ، أى لا ينسب إليه الظلم أصلا . ومنها أن كل صفة له - تعالى - فى أكمل المراتب ، فلو كان - سبحانه - ظالما ، كان ظلاما ، فنفى اللازم نفى للملزوم . ومنها أن نفى { الظلام } لنفى الظالم ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله ، فجعل نفى المبالغة كناية عن نفى أصله ، انتقالا من اللازم إلى الملزوم . ومنها أن العذاب من العظم بحيث لولا الاستحقاق لكان المعذب بمثله ظلاما بليغ الظلم متفاقمه ، فالمراد تنزيهه - تعالى - وهو جدير بالمبالغة . وفى صحيح مسلم عن أبى ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى - يقول " يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا " . وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد بينتا حالة المشركين عند قبض أرواحهم بيانا يحمل النفوس على الإِيمان والطاعة لله - تعالى - فقد رسم القرآن صورة مفزعة لهم ، صورة الملائكة وهى تضرب وجوههم وأدبارهم بأمر من الله - تعالى الذى ما ظلمهم ، ولكنهم هم الذين أحلوا بأنفسهم هذا المصير المؤلم المهين ، حيث كفروا بالحق ، وحاربوا أتباعه ، واستحيوا العمى على الهدى ثم بين سبحانه - أن هؤلاء الكافرين عادتهم فى كفرهم وطغيانهم كعادة من سبقهم من الأمم الظاملة وإن من سنة الله تعالى - فى خلقه ألا يعاقب إلا بذنب ، وألا يغير النعمة إلا لسبب . فقال - تعالى - { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ … كَانُواْ ظَالِمِينَ } .