Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-25)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ٱنشَقَّتْ } من الانشقاق بمعنى الانفطار والتصدع ، بحيث تتغير هيئتها . ويختل نظامها . كما قال - تعالى - { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } وانشقاق السماء قد ورد فى آيات متعددة منها قوله - تعالى - { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } وقوله - سبحانه - { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } ومعنى " أذنت " استمعت . يقال أذن له ، بمعنى استمع له بإصغاء تام - وبابه طرب - وفى الحديث الصحيح " ما أذن الله لشئ إذنه لنبى يتغنى بالقرآن " ، وقال الشاعر @ صمٍّ إذا سمعوا خيرا ذكرتُ به وإن ذُكِرْتُ بسوء عندهم أذنوا @@ وجملة " وحقت " معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه . أى جعلت حقيقة وجديرة بالاستماع والانقياد لما يريده الله - تعالى - منها ، من قولهم فلان محقوق بكذا . وحق له أن يفعل كذا ، أى وجب عليه ذلك وجوبا لا انفكاك له عنه . وجواب الشرط " إذا " وما عطف عليه محذوف ، والتقدير إذا السماء تصدعت واختل نظامها ، واستمعت لأمر ربها استماعاً تاما ، وانقادت لحكمه انقياد العبد لسيده ، وجعلت حقيقة وجديرة بالانقياد والاستماع والطاعة فى جميع الأحوال . { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } أى بسطت وتساوت بحيث صارت فى مستوى واحد ، بدون ارتفاع فى جانب أو انخفاض فى آخر ، كما قال - تعالى - { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } أى وطرحت ما بداخلها من أجساد ومن كنوز ، ومن غيرهما ، وخلت من ذلك خلوا تاما . وقوله { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } تأكيد لقدرته - تعالى - ونفاذ أمره . أى واستمعت الأرض كما استمعت السماء لأمر ربها ، وحق لها أن تستمع وأن تنقاد لحكمه - تعالى - لأنها خاضعة خضوعا تاما ، لقضائه وأمره . إذا حدث كل ذلك … قامت الساعة ، ووجد كل إنسان جزاءه عند ربه - سبحانه - . قال صاحب الكشاف حذف جواب " إذا " ليذهب المقدر كل مذهب . أو اكتفاء بما علم فى مثلها من سورتى التكوير والانفطار . وقيل جوابها ما دل عليه قوله { فَمُلاَقِيهِ } أى إذا السماء انشقت لاقى الإِنسان كدحه . وقوله { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أذن له استمع له … والمعنى أنها فعلت فى انقيادها لله - تعالى - حين أراد انشقاقها ، فعل المطواع الذى إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ، ولم يأب ولم يمتنع ، كقوله - تعالى - { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } " وحقت " هو من قولك هو محقوق بكذا وحقيق به ، يعنى وهى حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع … وقال الجمل فى حاشيته وقوله { وَحُقَّتْ } الفاعل فى الأصل هو الله - تعالى - أى حقَّ وأوجب الله عليها سمعه وطاعته . . فعلم من ذلك أن الفاعل محذوف ، وأن المفعول هو سمعها وطاعتها له - تعالى - . ثم وجه - سبحانه بعد ذلك نداء للإِنسان ، دعاه فيه إلى طاعته وإخلاص العبادة له ، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } والمراد بالإِنسان هنا جنسه . وأصل الكدح فى كلام العرب السعى فى سبيل الحصول على الشئ بجد واجتهاد وعناء . مأخوذ من كدح فلان جلده ، إذا خدشه ، ومنه قول الشاعر @ وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت ، وأخرى أبتغى العيش أكدحُ @@ وقول الآخر @ ومضت بشاشة كل عيش صالح وبقيت أكدح للحياةِ وأَنْصِبُ @@ أى وبقيت أسعى سعيا حثيثا للحياة ، وأتعب من أجل الحصول على مطالبى فيها . والضمير فى قوله { فَمُلاَقِيهِ } يعود إلى الله - تعالى - ، ويصح أن يعود للكدح ، بمعنى ملاق جزاء هذا الكدح . والمعنى يأيها الإِنسان إنك باذل فى حياتك جهدا كبيرا من أجل مطالب نفسك . وإنك بعد هذا الكدح والعناء … مصيرك فى النهاية إلى لقاء ربك ، حيث يحاسبك على عملك وكدحك … فقدم فى دنياك الكدح المشروع ، والعمل الصالح . والسعى الحثيث فى طاعته - تعالى - ، لكى تنال ثواب ربك ورضاه . قال ابن كثير وقوله { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } أى ساع إلى ربك سعيا ، وعامل عملا { فَمُلاَقِيهِ } ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر . ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسى … عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال جبريل يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه " . ومن الناس من يعيد الضمير على قوله { رَبِّكَ } أى فملاق ربك فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك ، وعلى هذا فكلا القولين متلازم . ثم فصل - سبحانه - بعد ذلك عاقبة هذا الكدح ، والسعى المتواصل … فقال - تعالى - { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً . وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } . والمراد بالكتاب هنا صحيفة العمل التى سجلت فيها حسنات الإِنسان وسيئاته . والمراد بالحساب اليسير عرض الأعمال ، مع التجاوز عن الهفوات ، بفضل الله - تعالى - أى الناس جميعا يكدحون فى هذه الحياة ، ثم يعودون إلى خالقهم للحساب والجزاء ، فأما من أعطى كتابه بيمينه ، وهم المؤمنون الصادقون ، فسوف يحاسب من ربه - تعالى - حسابا يسيرا سهلا ، بأن تعرض أعماله على خالقه - تعالى - ثم يكون التجاوز عن المعاصى والثواب على الطاعة ، بدون مناقشة أو مطالبة بعذر أو حجة . ثم ينقلب هذا الإِنسان بعد ذلك إلى أهله وعشيرته ، مبتهجا مسرورا ، بسبب فضل الله - تعالى - عليه ، ورحمته به . وعبر - سبحانه - عن فوز هذا الإِنسان بأنه يؤتى كتابه بيمينه ، للإِشعار بأنه من أهل السعادة والتقوى ، فقد جرت العادة أن اليد اليمنى إنما تتناول بها الأشياء الزكية الحسنة . والباء فى قوله { بيمينه } للملابسة أو المصاحبة ، أو بمعنى فى . قال الآلوسى والحساب اليسير هو السهل الذى لا مناقشة فيه . وفسره صلى الله عليه وسلم بالعرض وبالنظر فى الكتاب ، مع التجاوز ، أخرج الشيخان عن عائشة " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ليس أحد يحاسب إلا هلك " . قلت يا رسول الله ، جعلنى الله فداك ، أليس الله - تعالى - يقول { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ، قال ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك " . وأخرج الإِمام أحمد " عن عائشة - أيضا - قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بعض صلاته " اللهم حاسبنى حسابا يسيرا " فلما انصرف قلت له يا رسول الله ، ما الحساب اليسير ؟ قال " أن ينظر فى كتابه فيتجاوز له عنه " . ثم بين - سبحانه - حال الأشقياء ، بعد بيانه لحال السعداء فقال { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ . فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً . وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } . أى وأما من أعطى صحيفة أعماله - لسوادها وقبح أعمالها - بشماله من وراء ظهره وهو الكافر - والعياذ بالله - قيل تغل يمناه إلى عنقه ، وتجعل شماله وراء ظهره ، على سبيل الإِهانة والإِذلال له . { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } أى فسوف يطلب الهلاك ، بأن ينادى عليه بحسرة وندامة ويقول أيها الموت أقبل فهذا أوانك ، لتنقذنى مما أنا فيه من سوء . وفى طلبه للهلاك ، وتفضيله على ما هو فيه ، دليل على أن هذا الشقى - والعياذ بالله - قد وصل به الحال السيئ إلى أقصى مداه ، حتى لقد أصبح الهلاك نهاية أمانيه ، كما قال الشاعر @ كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا @@ فالمراد بالدعاء فى قوله { يَدْعُواْ ثُبُوراً } النداء . والثبور الهلاك ، بأن يقول يا ثبوراه أقبل فهذا أوان إقبالك . وقوله - تعالى - { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } بيان للعذاب الذى يحل به . أى ويدخل النار الشديدة الاشتعال فيتقلب فيها ، ويقاسى حرها . وقوله - سبحانه - { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً . إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } تعليل لما أصابه من سوء . أى إن هذا الشقى كان فى الدنيا فرحا بطرا بين أهله ، لا يفكر فى عاقبة ، ولا يعمل حسابا لغير ملذاته وشهواته ، وإنه فوق ذلك { ظن } أى أيقن أنه لن يرجع إلى ربه يوم القيامة ، ليحاسبه على أعماله ، ويجازيه بما يستحقه من جزاء . قال القرطبى قوله { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } أى لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب . ثم يثاب أو يعاقب . يقال حار فلان يحور إذا رجع ، ومنه قول لبيد @ وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع @@ فالحور فى كلام العرب الرجوع ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم إنى أعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْر " يعنى من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة … وقوله - سبحانه - { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } إيجاب لما نفاه ، وإثبات لما استبعده ، وجملة " إن ربه " بمنزلة التعليل لما أفادته بلى من إبطال لما نفاه . أى ليس الأمر كما زعم من أنه لن يبعث ولن يرجع إلى ربه … بل الحق الذى لا يشوبه باطل ، أن هذا الشقى سيرجع إلى ربه يوم البعث والنشور ، ليجازيه على أعماله ، لأنه - سبحانه - كان - وما زال - عليما بأحوال هذا الشقى وغيره ، إذ لا يخفى عليه - سبحانه - شئ فى الأرض ولا فى السماء . فالمراد بالبصر هنا العلم التام بأحوال الخلق . ثم أقسم - سبحانه - ببعض مخلوقاته ، على أن مشيئته نافذة ، وقضاءه لا يرد ، وحكمه لا يتخلف . فقال { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ . وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ . وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ . لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } . والفاء فى قوله { فَلاَ أُقْسِمُ } واقعة فى جواب شرط مقدر ، وهى التى يعبر عنها بالفصيحة ، و " لا " مزيدة لتأكيد القسم ، وجوابه " لتركبن " . والشفق الحمرة التى تظهر فى الأفق الغربى بعد غروب الشمس ، وهو ضياء من شعاعها ، وسمى شفقا لرقته ، ومنه الشفقة لرقة القلب . والوسق جمع الأشياء ، وضم بعضها إلى بعض . يقال وسَق الشئَ يسِقُه - كضرب - إذا جمعه فاجتمع ، ومنه قولهم إبل مستوسقة ، أى مجتمعة ، وأمر متسق . أى مجتمع على ما يسر صاحبه ويرضيه . واتساق القمر اجتماع ضيائه ونوره ، وهو افتعال من الوسق . وهو الجمع والضم ، وذلك يكون فى الليلة الرابعة عشرة من الشهر . أى أقسم بالحمرة التى تظهر فى الأفق العربى ، بعد غروب الشمس ، وبالليل وما يضمه تحت جناحه من مخلوقات وعجائب لا يعلمها إلا الله - تعالى - وبالقمر إذا ما اجتمع نوره ، وأكتمل ضياؤه ، وصار بدرا متلألئاً . وفى القسم بهذه الأشياء ، دليل واضح على قدرة الله - تعالى - الباهرة ، لأن هذه الأشياء تتغير من حال إلى حال ، ومن هيئة إلى هيئة … فالشفق حالة تأتى فى أعقاب غروب الشمس ، والليل يأتى بعد النهار ، والقمر يكتمل بعد نقصان … وكل هذه الحالات الطارئة ، دلائل على قدرة الله - تعالى - . وقوله - سبحانه - { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } جواب القسم - كما سبق أن أشرنا - . والمراد بالركوب الملاقاة والمعاناة ، والخطاب للناس ، والطبق جمع طبقة ، وهى الشئ المساوى لشئ آخر ، والمراد بها هنا الحالة أو المرتبة ، وعن بمعنى بعد . أى وحق الشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق … لتلاقن - أيها الناس - أحوالا بعد أحوال ، هى طبقات ومراتب فى الشدة ، بعضها أصعب من بعض ، وهى الموت ، وما يكون بعده من حساب وجزاء يوم القيامة . قال الآلوسى ما ملخصه قوله { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } خطاب لجنس الإِنسان المنادى أولا ، باعتبار شموله لأفراده ، والمراد بالركوب الملاقاة ، والطبق فى الأصل ما طابق غيره مطلقا . وخص فى العرف بالحال المطابقة لغيرها … و " عن " للمجاوزة ، أو بمعنى " بعد " . والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة أو حالا من فاعل لتركبن ، والظاهر أن " طبقا " منصوب على المفعولية ، أى لتلاقن حالا كائنة بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها فى الشدة والهول … منها ما هو فى الدنيا ، ومنها ما هو فى الآخرة . وقرأ الأخوان - حمزة والكسائى - وابن كثير { لتركبن } بفتح الباء - على أنه خطاب للإِنسان - أيضا - ، ولكن باعتبار اللفظ ، لا باعتبار الشمول . وأخرج البخارى عن ابن عباس أنه خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى لتركبن - أيها الرسول الكريم - أحوال شريفة بعد أخرى من مراتب القرب . أو مراتب من الشدة بعد مراتب من الشدة ، ثم تكون العاقبة لك … والفاء فى قوله - تعالى - بعد ذلك { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } . لترتيب ما بعدها من الإِنكار والتعجيب على ما قبلها ، و " ما " للاستفهام الإِنكارى . أى إذا كان الأمر كما وضحنا لك - أيها الرسول الكريم - من أن البعث حق ، ومن أن المستحق للعبادة هو الله - تعالى - وحده … فأى شئ يمنع هؤلاء الكافرين من الإِيمان ، مع أن كل الدلائل والبراهين تدعوهم إلى الإِيمان . وأى مانع منعهم من السجود والخضوع لله - عند ما يقرأ عليهم القرآن الكريم ، الذى أنزلناه عليك لإِخراجهم من الظلمات إلى النور . فالمقصود من الآيتين الكريمتين تعجيب الناس من حال هؤلاء الكافرين الذين قامت أمامهم جميع الأدلة على صدق اللرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، ومع ذلك فهم مصرون على كفرهم وجحودهم وعنادهم . قال الآلوسى وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد عند قراءة هذه الآية ، فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذى … عن أبى هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } وفى { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ … } وهى سنة عند الشافعى ، وواجبة عند أبى حنيفة … أما الإِمام مالك فالرواية الراجحة فى مذهبه ، أن هذه الآية ليست من آيات سجود التلاوة . وقوله - سبحانه - { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } إضراب انتقالى ، من التعجيب من عدم إيمانهم مع ظهور كل الأدلة على وجوب الإِيمان ، إلى الإِخبار عنهم بأنهم مستمرون على كفرهم ، أى ليس هناك أى مانع الكافرين من الإِيمان ، بعد أن قامت جميع الشواهد على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل الحق أن هؤلاء الكافرين إنما استمروا على كفرهم بسبب عنادهم وحسدهم للرسول صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله - تعالى - من فضله ، وتكذيبهم للحق عناداً وجحوداً . وقوله - سبحانه - { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } كلام معترض بين سابقه ولا حقه ، والمقصود به التهديد والوعيد . ومعنى " يوعون " يضمرون ويخفون ويسرون ، وأصل الإِيعاء حفظ الأمتعة فى الوعاء ، يقال أوعى فلان الزاد والمتاع ، إذا جعله فى الوعاء ، والمراد به هنا الإِضمار والإِخفاء ، كما فى قوله الشاعر @ والشر أخبث ما أوعيت من زاد @@ أى والله - تعالى - أعلم من كل أحد ، بما يضمره هؤلاء الكافرون ، وبما يخفونه فى صدورهم من تكذيب للحق ، ومن جحود للقرآن الكريم ، ومن معاداة للمؤمنين . وقوله { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تفريع على قوله { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } . والتبشير الإِخبار بما يسر ، والمراد به هنا التهكم بهم ، بدليل توعدهم بالعذاب الأليم . أى فبشر - أيها الرسول الكريم - هؤلاء الكافرين المكذبين للحق ، بالعذاب الأليم . والاستثناء فى قوله - تعالى - { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } استثناء منقطع . أى هذا هو حال الكافرين ، لكن الذين آمنوا إيمانا حقا ، وقدموا فى دنياهم الأعمال الصالحة ، فلهم فى الآخرة أجر غير مقطوع ، فقوله { ممنون } مِنْ مَنَّ إذا قطع يقال مننت الحبل إذا قطعته ، أو لهم أجر خالص من شوائب الامتنان ، وهو أن يعطى الإِنسان غيره عطاء ، ثم يتباهى عليه به . نسأ الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .