Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-22)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والبروج جمع برج . وهى فى اللغة القصور العالية الشامخة ، ويدل لذلك قوله - تعالى - { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } أى ولو كنتم فى قصور عظيمة محصنة . والمراد بها هنا المنازل الخاصة بالكواكب السيارة ، ومداراتها الفلكية الهائلة ، وهى اثنا عشر منزلا الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت . وسميت بالبروج ، لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها . قال القرطبى قوله { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } قسم أقسم الله - عز وجل - به . وفى البروج أربعة أقوال أحدها ذات النجوم . الثانى ذات القصور … الثالث ذات الخَلْق الحسن . الرابع ذات المنازل … وهى اثنا عشر منزلا … وقوله { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } المقصود به يوم القيامة ، لأن الله - تعالى - وعد الخلق به ، ليجازى فيه الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى . وقوله { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قسم ثالث ببعض مخلوقاته - تعالى - . والشاهد اسم فاعل من المشاهدة بمعنى الرؤية ، فالشاهد هو الرائى ، أو المخبر غيره عما رآه وشاهده . والمشهود اسم مفعول ، وهو هنا الشىء المرئى ، أو المشهود عليه بأنه حق . فالمراد بالشاهد من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين ، وما يراه فيه من عجائب وأهوال ، من المشاهدة بمعنى الرؤية والحضور ، أو من يشهد فى ذلك اليوم على غيره ، من الشهادة على الخصم . وقد ذكر المفسرون فى معنى هذين اللفظين ، ما يقرب من عشرين وجها . قال صاحب الكشاف وقوله { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } يعنى وشاهد فى ذلك اليوم ومشهود فيه . والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم . وبالمشهود ما فى ذلك اليوم من عجائبه . ثم قال وقد اضطربت أقوال المفسرين فيما ، فقيل الشاهد والمشهود محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة . وقيل عيسى وأمته . وقيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأمم . وقيل يوم التروية ويوم عرفة . وقيل يوم عرفة ويوم الجمعة . وقيل الحجر الأسود . والحجيج . وقيل الأيام والليالى . وقيل الحفظة وبنو آدم … ويبدو لنا أن أقرب الأقوال والصواب أن المراد بالشاهد هنا الحاضر فى ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة ، والرائى لأهواله وعجائبه . وأن المراد بالمشهود ما يشاهد فى ذلك اليوم من أحوال يشيب لها الولدان . وقال - سبحانه - { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } بالتنكير ، لتهويل أمرهما ، وتفخيم شأنهما . وقوله - تعالى - { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } جواب القسم بتقدير اللام وقد . أى وحق السماء ذات البروج ، وحق اليوم الموعود ، وحق الشاهد والمشهود ، لقد قتل ولعن أصحاب الأخدود ، وطردوا من رحمة الله بسبب كفرهم وبغيهم . والأخدود وهو الحفرة العظيمة المستطيلة فى الأرض ، كالخندق ، وجمعه أخاديد ، ومنه الخد لمجارى الدمع ، والمخدة لأن الخد يوضع عليها . ويقال تخدد وجه الرجل ، إذا صارت فيه التجاعيد … ومنه قول الشاعر @ ووجه كأن الشمس ألقت رداءها عليه ، نقى اللون لم يتخدد @@ وقيل إن جواب القسم محذوف ، دل عليه قوله - تعالى - { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود . وأصحاب الأخدود هم قوم من الكفار السابقين ، حفروا حفرا مستطيلة فى الأرض ، ثم أضرموها بالنار ، ثم ألقوا فيها المؤمنين ، الذين خالفوهم فى كفرهم ، وأبوا إلا إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده . وقوله - سبحانه - { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } بدل اشتمال مما قبله وهو الأخدود . والوقود اسم لما توقد به النار كالحطب ونحوه . وذات الوقود صفة للنار . أى قتل وطرد من رحمة الله أصحاب الأخدود ، الذين أشعلوا فيه النيران ذات اللهب الشديد ، لكى يلقوا المؤمنين فيها . والظرف فى قوله - تعالى - { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } متعلق بقوله - تعالى - { قتل } . أى لعنوا وطردوا من رحمة الله ، حين قعدوا على الأخدود ، ليشرفوا على من يعذبونهم من المؤمنين . فالضمير " هم " يعود على أولئك الطغاة الذين كانوا يعذبون المؤمنين ويجلسون على حافات الأخدود ليروهم وهم يحرقون بالنار ، أو ليأمروا أتباعهم وزبانيتهم بالجد فى التعذيب حتى لا يتهاونوا فى ذلك . و { على } للاستعلاء المجازى إذ من المعلوم أنهم لا يقعدون فوق النار ، وإنما هم يقعدون حولها ، لإِلقاء المؤمنين فيها . وجملة { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } فى موضع الحال من الضمير فى قوله { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } . أى أن هؤلاء الطغاة الظالمين ، لم يكتفوا بإشعال النار ، والقعود حولها وهم يعذبون المؤمنين ، بل أضافوا إلى ذلك ، أنهم يشهدون تعذيبهم ، ويرونه بأعينهم على سبيل التشفى منهم ، فقوله { شهود } بمعنى حضور ، أو بمعنى يشهد بعضهم لبعض أمام ملكهم الظالم ، بأنهم ما قصروا فى تعذيب المؤمنين ، وهذا الفعل منهم . يدل على نهاية القسوة والظلم ، وعلى خلو قلوبهم من أى رحمة أو شفقة . قال الآلوسى وقوله { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } أى يشهد بعضهم لبعض عند الملك ، بأن أحدا لم يقصر فيما أمر به ، أو يشهدون عنده على حسن ما يفعلون … أو يشهد بعضهم على بعض بذلك الفعل الشنيع يوم القيامة ، أو يشهدون على أنفسهم بذلك ، كما قال - تعالى - { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقيل " على " بمعنى مع . أى وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور ، لا يرقون لهم ، لغاية قسوة قلوبهم … ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملت هؤلاء الطغاة على إحراق المؤمنين فقال { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ . ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . والنقمة هنا بمعنى الإِنكار والكراهية . يقال نقَم فلان هذا الشئ ، - من باب ضرب - إذا كرهه وأنكره . أى أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنين ، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب ، إلا لشئ واحد ، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتهم لله - تعالى - صاحب العزة التامة ، والحمد المطلق ، والذى له ملك جميع ما فى السموات والأرض ، وهو - سبحانه - على كل شئ شهيد ورقيب ، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده ، أو حال من أحوالهم . فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين ، التعجيب من حال هؤلاء المجرمين ، حيث عذبوا المؤمنين ، لا لشئ إلا من أجل إيمانهم بخالقهم ، وكأن الإِيمان فى نظرهم جريمة تستحق الإِحراق بالنار . وهكذا النفوس عندما يستحوذ عليها الشيطان ، تتحول الحسنات فى نظرها إلى سيئات ، وقديما قال المنكوسون من قوم لوط - عليه السلام - { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } والاستثناء فى قوله { إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ … } استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كما فى قول القائل @ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } قال الإِمام ابن كثير وقد اختلفوا فى أهل هذه القصة من هم ؟ فعن على ابن أبى طالب أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل زواج المحارم ، فامتنع عليه علماؤهم ، فعمد إلى حفر أخدود ، فقذف فيه من أنكر عليه منهم . وعنه أنهم كانوا قوما من اليمن ، اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم ، فتغلب مؤمنوهم على كفارهم ، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين ، فخدوا لهم الأخاديد ، وأحرقوهم فيها . ثم ذكر - رحمه الله - بعد ذلك جملة من الآثار فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت . وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة ، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإِيمان ، وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم ، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى ، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين ، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافهم ، وقد اقتضت سنته - تعالى - أن يجعل العاقبة للمتقين . ثم هدد - سبحانه - كفار قريش بسوء المصير ، إذا ما استمروا فى إيذائهم للمؤمنين ، فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } . وقوله { فتنوا } من الفتن ، بمعنى الاختبار والامتحان . تقول فتنت الذهب بالنار ، أى أدخلته فى النار لتعلم جودته من رداءته ، والمراد به هنا التعذيب والتحريق بالنار . أى إن الظالمين الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات ، وأحرقوهم بالنار ثم لم يتوبوا إلى الله - تعالى - من ذنوبهم ، ويرجعوا عن تعذيبهم للمؤمنين والمؤمنات ، فلهم فى الآخرة عذاب جهنم ، بسبب إصرارهم على كفرهم وعدوانهم ، ولهم نار أخرى زائدة على غيرها فى الإِحراق . والمراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات كفار قريش ، كأبى جهل وأمية ابن خلف . وغيرهما ، فقد عذبوا بلالا ، وعمار بن ياسر ، وأباه وأمه سمية . ويؤيد أن المراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات كفار قريش ، قوله - تعالى - { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } لأن هذه الجملة تحريض على التوبة ، وترغيب فيها للكافرين المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم . ويصح أن يراد بهم جميع من عذبوا المؤمنين والمؤمنات ، ويدخل فيه أصحاب الأخدود ، وكفار قريش دخولا أوليا . وجمع - سبحانه - بين عذاب جهنم لهم ، وبين عذاب الحريق ، لبيان أن العذاب لهم مضاعف ، بسبب طغيانهم وشركهم . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمؤمنين والمؤمنات من ثواب وعطاه كريم فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ } أى عند ربهم { جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أى تجرى من تحت أشجارها وبساتينها الأنهار { ذَلِكَ } العطاء هو { ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } الذى لا فوز يضارعه أو يقاربه . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ، ما يدل على نفاذ قدرته ومشيئته ، حتى يزداد المؤمنون ثباتا على ثباتهم ، وصبرا على صبرهم فقال { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } . والبطش هو الأخذ بقوة وسرعة وعنف . أى إن بطش ربك - أيها الرسول الكريم - بالظالمين والطغاة لبالغ نهاية القوة والعنف فمر أصحابك فليصبروا على الأذى ، فإن العاقبة الحسنة ستكون لهم وحدهم . { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } أى إنه وحده هو الذى يخلق الخلق أولا فى الدنيا ، ثم يعيدهم إلى الحياة بعد موتهم للحساب والجزاء ، وهو - سبحانه - وحده الذى يبدئ البطش بالكفار فى الدنيا ثم يعيده عليهم فى الآخرة بصورة أشد وأبقى . وحذف - سبحانه - المفعول فى الفعلين ، لقصد العموم ، ليشمل كل ما من شأنه أن يبدأ وأن يعاد من الخلق أو من العذاب أو من غيرهما . { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } أى وهو - سبحانه - الواسع المغفرة لمن تاب وآمن ، وهو الكثير المحبة والود لمن أطاعه واتبع هداه . { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } أى وهو - عز وجل - صاحب العرش العظيم ، الذى لا يعرف كنهه إلا هو - سبحانه - ، وهو { المجيد } أى العظيم فى ذاته وصفاته . { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } أى وهو - تعالى - الذى يفعل كل شئ يريده . دون أن يعترض عليه أحد ، بل فعله هو النافذ ، وأمره هو السارى والمطاع . وجاءت كلمة " فعال " بصيغة المبالغة ، للدلالة على أن ما يريده ويفعله - مع كثرته - هو فى غاية النفاذ والسرعة ، كما قال - تعالى - { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فهذه الصفة من الصفات الجامعة لعظمته الذاتية ، وعظمة نعمه ومننه وعطاياه . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ، ما يدل على شدة بطشه ، ونفاذ أمره فقال { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ . فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } . والاستفهام هنا للتقرير والتهويل . والمراد بالجنود الجموع الكثيرة التى عتت عن أمر ربها ، فأخذها - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر ، وقوله { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } بدل من الجنود . والمراد بفرعون وثمود ملؤهما وقومهما الذين آثروا الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والباطل على الحق . أى لقد بلغك - أيها الرسول الكريم - حديث فرعون الذى طغى وبغى ، واتبعه قومه فى طغيانه وبغيه ، وحديث قوم صالح - عليه السلام - وهم الذين كذبوا نبيهم . وآذوه ، وعقروا الناقة التى نهاهم عن أن يمسوها بسوء . وكيف أنه - سبحانه - قد دمر الجميع تدميرا شديدا ، جزاء كفرهم وبغيهم . وخص - سبحانه - جند فرعون وثمود بالذكر ، لأنهم كانوا أشد من غيرهم بغيا وظلما ، ولأنهم كانت قصصهم معروفة لأهل مكة أكثر من غيرهم . وقوله - سبحانه - { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ . وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } إضراب انتقالى ، المقصود منه بيان أن هؤلاء المشركين المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم لم يتعظوا بمن سبقهم . أى لقد كانت عاقبة جنود فرعون وثمود ، الهلاك والدمار ، بسبب إصرارهم على كفرهم ، ولكن قومك - أيها الرسول - لم يعتبروا بهم ، بل استمروا فى تكذيبهم لك ، وفى إعراضهم عنك … واعلم أن الله - تعالى - محيط بهم إحاطة تامة ، ولن يفلتوا من عقابه بأية حيلة من الحيل ، فهم تحت قبضته وسلطانه ، وسينزل بهم بأسه فى الوقت الذى يريده . وقوله - سبحانه - { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } إضراب انتقالى آخر ، من بيان شدة تكذيبهم للحق ، إلى بيان القرآن الكريم هو كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . أى ليس الأمر كما قال هؤلاء المشركون فى القرآن من أنه أساطير الأولين … بل الحق أن هذا القرآن هو كلام الله - تعالى - البالغ النهاية فى الشرف والرفعة والعظمة . وأنه كائن فى لوح محفوظ من التغيير والتبديل ، ومن وصول الشياطين إليه . ونحن نؤمن بأن القرآن الكريم كائن فى لوح محفوظ ، إلا أننا نفوض معرفة حقيقة هذا اللوح وكيفيته إلى علمه - تعالى - ، لأنه من أمر الغيب الذى تفرد الله - تعالى - بعلمه … وما قيل فى وصف هذا اللوح لم يرد به حديث صحيح يعتمد عليه . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .