Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 112-112)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الجمل ما ملخصه ذكر الله - تعالى - فى هذه الآية تسعة أوصاف للمؤمنين ، الستة الأولى منها تتعلق بمعاملة الخالق ، والوصفان السابع والثامن يتعلقان بمعاملة المخلوق ، والوصف التاسع يعم القبيلين . وقوله { ٱلتَّائِبُونَ } فيه وجوه من الأعراب منها أنه مرفوع على المدح . فهو خبر لمبتدأ محذوف وجوباً للمبالغة فى المدح أى المؤمنون المذكورون التائبون ، ومنها أن الخبر هنا محذوف ، أى التائبون المصوفون بهذه الأوصاف من أهل الجنة … " والمعنى " التائبون " عن المعاصى وعن كل ما نهت عنه شريعة الله ، " العابِدون " لخالقهم عبادة خالصة لوجهه ، " الحامدون " له - سبحانه - فى السراء والضراء ، وفى المنشط والمكره ، وفى العسر واليسر ، " السائحون " فى الأرض للتدبر والاعتبار وطاعة الله . والعمل على مرضاته { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } لله - تعالى - عن طريق الصلاة التى هى عماد الدين وركنه الركين " الآمرون " غيرهم " بالمعروف " أى بكل ما حسنه الشرع " والناهون " له " عن المنكر " الذى تأباه الشرائع والعقول السليمة ، { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } أى لشرائعه وفرائضه وأحكامه وآدابه … هؤلاء المتصفون بتلك الصفات الحميدة ، بشرهم . يا محمد . بكل ما يسعدهم ويشرح صدورهم ، فهم المؤمنون حقاً ، وهم الذين أعد الله - تعالى - لهم الأجر الجزيل ، والرزق الكريم . ولم يذكر - سبحانه - المبشر به فى قوله { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، للاشارة إلى أنه أمر جليل لا يحيط به الوصف ، ولا تحده العيارة . ولم يذكر - سبحانه - فى الآية لهذه الأوصاف متعلقاً ، فلم يقل " التائبون " من كذا ، لفهم ذلك من المقام ، لأن المقام فى مدح المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا نفوسهم لله ، تعالى . فصاروا ملتزمين طاعته فى كل أقوالهم وأعمالهم . وعبر عن كثرة صلاتهم وخشوعهم فيها بقوله . { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } للاشارة إلى أن الصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم ، وكأن الركوع والسجود طابع مميز لهم بين الناس . وإنما عطف النهى عن المنكر على الأمر بالمعروف للإِيذان بأنهما فريضة واحدة لتلازمهما فى الغالب ، أو لما بينهما من تباين إذ الأمر بالمعروف طلب فعل ، والنهى عن المنكر طلب ترك أو كف . وكذلك جاء قوله . { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } بحرف العطف ومما قالوه فى تعليل ذلك . أن سر العطف هنا التنبيه على أن ما قبله مفصل للفضائل وهذا مجمل لها ، لأنه شامل لما قبله وغيره ، ومثله يؤتى به معطوفاً ، نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء ، فلمغايرته لما قبله بالإِجمال والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه . هذا ، وما ذكرناه من أن المراد بقوله " السائحون " أى السائرون فى الأرض للتدير والاعتبار والتفكر فى خلق الله ، والعمل على مرضاته . . هذا الذى ذكرناه رأى لبعض العلماء . ومنهم من يرى أن المراد بهم الصائمون ومنهم من يرى أن المراد بهم المجاهدون . قال الآلوسى وقوله " السائحون " أى الصائمون . فقد أخرج ابن مردويه عن أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذلك فأجاب بما ذكر ، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين . وجاء عن عائشة " سياحة هذه الأمة الصيام " . وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد أن السائحين هم المهاجرون ، وليس فى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - سياحة إلا الهجرة . وعن عكرمة أنهم طلبة العمل ، لأنهم يسيحون فى الأرض لطلبه . وقيل هم المجاهدون فى سبيل الله ، لما أخرج الحاكم وصححه والطبرانى وغيرهما ، " عن أبى أمامة أن رجلا استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى السياحة فقال إن سياحة أمتى الجهاد فى سبيل الله " . والذى نراه أقرب إلى الصواب أن المراد بالسائحين هنا السائرون فى الأرض لمقصد شريف ، وغرض كريم . كتحصيل العلم ، والجهاد فى سبيل الله ، والتدبر فى ملكوته - سبحانه - والتفكر فى سنته فى كونه ، والاعتبار بما اشتمل عليه هذا الكون من عجائب . ولعل ما يؤيد ذلك أن لفظ " السائحون " معناه السائرون ، لأنه مأخوذ من السيح وهو الجرى على وجه الأرض ، والذهاب فيها . وهذه المادة تشعر بالانتشار ، يقال ساح الماء أى جرى وانتشر . وما دام الأمر كذلك فمن الأولى حمل اللفظ على ظاهره ، ما دام لم يمنع مانع من ذلك ، وهنا لا مانع من حمل اللفظ على حقيقته وظاهره . أما الأحاديث والآثار التى استشهد بها من قال بأن المراد بالسائحين الصائمون فقد ضعفها علماء الحديث . قال صاحب المنار وأقول وروى ابن جرير من حديث أبى هريرة مرفوعاً وموقوفاً حديث " السائحون هم الصائمون " لا يصح رفعه … وفضلا عن كل هذا ، فإن تفسير السائحين بأنهم السائرون فى الأرض لكل مقصد شريف ، وغرض كريم … يتناول الجهاد فى سبيل ، كما يتناول الرحلة فى طلب العلم ، وغير ذلك من وجوه الخير . وما أكثر الآيات القرآنية التى حضت على السير فى الأرض ، وعلى التفكر فى خلق الله ، ومن ذلك قوله تعالى { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } وقوله تعالى { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } قال الإِمام الرازى للسياحة أثر عظيم فى تكميل النفس لأن الإِنسان يلقى الأكابر من الناس ، فيحتقر نفسه فى مقابلتهم ، وقد يصل إلى المرادات الكثيرة فينتقع بها ، وقد يشاهد اختلاف أحوال الدنيا بسبب ما خلق الله . تعالى . فى كل طرف من الأحوال الخاصة بهم فتقوى معرفته . وبالجملة فالسياحة لها آثار قوية فى الدين . ثم بين - سبحانه - أنه لا يصح للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين مهما بلغت درجة قرابتهم ، لأن رابطة العقيدة هى الوشيجة الأساسية فيما بينهم فقال - تعالى { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ … مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } .