Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 119-121)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمعنى يا من آمنتم بالله واليوم الآخر … اتقوا الله حق تقاته ، بأن تفعلوا ما كلفكم به . وتتركوا ما نهاكم عنه ، { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } فى دين الله نية وقولا وعملا وإخلاصا فإن الصدق ما وجد فى شئ إلا زانه ، وما وجد الكذب فى شئ إلا شأنه . قال القرطبى حق من فهم عن الله وعقل منه أن يلازم الصدق فى الأقوال والإِخلاص فى الأعمال ، والصفاء فى الأحوال ، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى ربنا الغفار . قال - صلى الله عليه وسلم - " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا " . والكذب على الضد من ذلك . قال - صلى الله عليه وسلم - " إياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور ، وإن الفجور يهدى إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " . فالكذب عار ، وأهله مسلوبو الشهادة ، وقد رد - صلى الله عليه وسلم - شهادة رجل فى كذبة كذبها . وسئل شريك بن عبد الله فقيل له يا أبا عبد الله ، رجل سمعته يكذب متعمدا ، أصلى خلفه ؟ قال لا . ثم أوجب - سبحانه - على المؤمنين مصاحبة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فى غزواته فقال { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ … } . والمراد بالنفى هنا النهى . أى ليس لأهل المدينة أو لغيرهم من الأعراب سكان البادية الذين يسكنون فى ضواحى المدينة ، كقبائل مزينة وجهينة وأشجع وغفار . ليس لهؤلاء جميعا أن يتخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ما خرج للجهاد ، كما فعل بعضهم فى غزوة تبوك ، لأن هذا التخلف يتنافى مع الإِيمان بالله ورسوله . وليس لهم كذلك { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أى ليس لهم أن يؤثروا أنفسهم بالراحة على نفسه ، بأن يتركوه يتعرض للآلام والأخطار . دون أن يشاركوه فى ذلك ، بل من الواجب عليهم أن يكونوا من حوله فى البأساء والضراء ، والعسر واليسر والمنشط والمكره . ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء ، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط ، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه ، علما بأنها أعز نفس على الله وأكرمها ، فإذا تعرضت - مع كرامتها وعزتها - للخوض فى شدة وهول ، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت - أى تتساقط - فيما تعرضت له ، ولا يكترث لها أصحابها ، ولا يقيمون له وزنا ، وتكون أخف شئ عليهم وأهونه ، فضلا عن أن يربأوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ويضنوا بها على ما سمع بنفسه عليه . وهذا نهى بليغ ، مع تقبيح لأمرهم ، وتوبيخ لهم عليه ، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية . واسم الإِشارة فى قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } يعود على ما دل عليه الكلام من وجوب مصاحبته وعدم التخلف عنه . أى ذلك الذى كلفناهم به من وجوب مصاحبته - صلى الله عليه وسلم - والنهى عن التخلف عنه ، سببه أنهم { لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ } أى عطش { وَلاَ نَصَبٌ } أى تعب ومشقة { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } أى مجاعة شديدة تجعل البطون خامصة ضامرة { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى فى جهاد أعدائه وإعلاء كلمة الحق { وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } أى ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بأرجلهم أو بحوافر خيولهم من أجل إغاظتهم وإزعاجهم … { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } أى ولا يصيبون من عدو من أعدائهم إصابة كقتل أو أسر أو غنيمة . إنهم لا يفعلون شيئا { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } أى إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح ، ينالون بسببه الثواب الجزيل من الله ، لأنه - سبحانه - { لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } وإنما يكافئهم إلى إحسانهم بالأجر العظيم . وقوله { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً … } معطوف على ما قبله . أى وكذلك ولا يتصدقون بصدقة صغيرة ، كالتمرة ونحوها ، ولا كبيرة كما فعل عثمان - رضى الله عنه - فى هذه الغزوة ، فقد تصدق بالكثير . { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً } من الوديان فى مسيرهم إلى عدوهم ، أو فى رجوعهم عنه . لا يفعلون شيئا من ذلك أيضا { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } أى إلا كتب لهم ثوابه فى سجل حسناتهم . { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى أمرهم بمصاحبة نبيهم فى كل غزواته ، وكلفهم بتحمل مشاق الجهاد ومتاعبه ليجزيهم على ذلك أحسن الجزاء وأعظمه ، فأنت ترى أن الله - تعالى - قد حرض المؤمنين على الجهاد فى هاتين الآيتين ، وبين لهم أن كل ما يلاقونه فى جهادهم من متاعب له ثوابه العظيم ، وما دام الأمر كذلك فعليهم أن يصاحبوا رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فى جميع غزواته ، لأن التخلف عنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين ، فضلا عن أن هذا التخلف - بدون عذر شرعى - سيؤدى إلى الخسران فى الدنيا والآخرة . وبعد أن حرض الله - تعالى - المؤمنين على الجهاد فى سبيله ، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتبع ذلك بالحديث عما يجب عليهم إذا لم تكن المصلحة تقتضى النفير العام ، فقال - تعالى - { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ … } .