Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 128-129)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجمهور المفسرين على أن الخطاب فى قوله - سبحانه - { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } للعرب فهو كقوله { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } أى لقد جاءكم - يا معشر العرب - رسول كريم " من أنفسكم " أى جنسكم ، ومن نسبكم ، فهو عربى مثلكم ، فمن الواجب عليكم أن تؤمنوا به وتطيعوه . فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ترغيب العرب فى الإِيمان بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وفى طاعته وتأييده ، فإن شرفهم قد تم بشرفه ، وعزهم بعزه ، وفخرهم بفخره ، وهم فى الوقت نفسه قد شهدوا له فى صباه بالصدق والأمانة والعفاف وطهارة النسب ، والأخلاق الحميدة . قال القرطبى قوله { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } يقتضى مدحا لنسب النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنه من صميم العرب وخالصها ، وفى صحيح مسلم " عن وائلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قرش بنى هاشم ، واصطفانى من بنى هاشم " وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إنى من نكاح ولست من سفاح " . وقال الزجاج إن الخطاب فى الآية الكريمة لجميع البشر ، لعموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - ومعنى كونه - صلى الله عليه وسلم - " من أنفسكم " إنه من جنس البشر . ويبدو لنا أن الرأى الأول ارجح لأن الآية الكريمة ليست مسوقة لإِثبات رسالته - صلى الله عليه وسلم - وعمومها ، وإنما هى مسوقة لبيان منته وفضله - سبحانه - على العرب ، حيث أرسل خاتم أنبيائه منهم ، فمن الواجب عليهم أن يؤمنوا به ، لأنه ليس غريبا عنهم ، وإذا لم يؤمنوا به تكون الحجة عليهم ألزم ، والعقوبة لهم أعظم . وقوله { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } أى شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ، لكونه بعضا منكم فهو يخاف عليكم سوء العاقبة ، والوقوع فى العذاب . يقال عزَّ عليه الأمر أى صعب وشق عليه ، والعنت المشقة والتعب ومنه قولهم أكمة عنوت ، إذا كانت شاقة مهلكة ، والفعل عنت بوزن فرح . وقوله { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } أى حريص على إيمانهم وهدايتكم وعزتكم وسعادتكم فى الدنيا والآخرة . والحرص على الشئ معناه شدة الرغبة فى الحصول عليه وحفظه . وقوله { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أى شديد الرأفة والرحمة بكم - أيها المؤمنون - والرأفة عبارة عن السعى فى إزالة الضرر . والرحمة عبارة عن السعى فى إيصال النفع ، فهو - صلى الله عليه وسلم - يسعى بشدة فى إيصال الخير والنفع للمؤمنين ، وفى إزالة كل مكروه عنهم . قال بعضهم لم يجمع الله - تعالى - لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبى - صلى الله عليه وسلم - فإنه قال { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } وقال عن ذاته - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ثم انتقل - سبحانه - من خطاب المؤمنين إلى خطابه - صلى الله عليه وسلم - فقال { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } . أى فإن أعرضوا عن الإِيمان بك ، وتركوا طاعتك ، فلا تبتئس ولا تيأس ، بل قل " حسبى الله " أى هو كافينى ونصيرى { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } - سبحانه - { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } الذى لا يعلم مقدار عظمته إلا الله - عز وجل - . ففى هاتين الآيتين الكريمتين بيان للصفات التى منحها - سبحانه - لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ودعوة له - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يفوض أمره إلى خالقه فهو - سبحانه - كافيه وناصره . وبعد فهذه سورة التوبة . السورة التى احتوت على بيان الأحكام النهائية فى العلاقات الدائمة بين المجتمع الإِسلامى ، والمجتمعات الأخرى . السورة التى حرضت المؤمنين على الجهاد فى سبيل الله ، وساقت لهم من وسائل الترغيب فى ذلك ، ما يجعلهم يقدمون على قتال أعدائهم بصبر وثبات واستبشار . السورة التى أوجبت على المؤمنين أن تكون محبتهم لله ولرسوله ، ولإِعلاء كلمة الحق ، فوق محبة الآباء والأبناء والإِخوان والأزواج والعشيرة والأموال . السورة التى ذكرت المؤمنين بنصر الله لهم فى مواطن كثيرة ، وحذرتهم من الغرور بأنفسهم . والعجب بقوتهم ، وأمرتهم بنصرة رسوله فى السراء والضراء والعسر واليسر ، والمنشط والمكره . السورة التى أمرت المؤمنين بأن يخلصوا فى دفاعهم عن دين الله وعن حرماته وعن مقدساته . وبشرتهم بأنهم إذا فعلوا ذلك ، فسوف يغنيهم الله من فضله . السورة التى فضحت المنافقين ، وكشفت عن أساليبهم الخبيثة ، ومسالكهم القبيحة ، وأقوالهم المنكرة ، وأفعالهم الأثيمة ، وسجلت عليهم الخزى والعار وحذرت المؤمنين من شرورهم … السورة التى رسمت أسس التكافل الاجتماعى بين أفراد الأمة الإِسلامية ، عن طريق مشروعية الزكاة ، ووجوب أدائها لمستحقيها . السورة التى ساقت ألوانا من فضل الله على عباده المؤمنين ، حيث تقبل سبحانه توبتهم ، وغسل حوبتهم ، وتجاوز عن خطئهم . السورة التى صنفت المجتمع الإِسلامى فى أواخر العهد النبوى تصنيفا دقيقا . فهناك السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان وهناك الذين خطلوا عملا صالحا وآخر سيئاً . وهناك المرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم . وهناك الأعراب المنافقون ، وهناك الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة . وقد بينت السورة الكريمة ما يستحقه كل قسم من الأقسام من ثواب أو عقاب . السورة التى أوجبت على المؤمنين أن يقيموا علاقاتهم على أساس العقيدة الدينية لا على أساس القرابة الجسدية ، فنهتهم أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى . هذا جانب من المقاصد الإِجمالية التى اشتملت عليها هذه السورة الكريمة ونسأل الله - تعالى - أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا ، وان يرزقنا الإِخلاص والتوفيق فى القول والعمل . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .