Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 13-15)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الآلوسى قوله تعالى { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً … } تحريض على القتال بأبلغ وجه - ، لأن الاستفهام فيه للإِنكار ، والاستفهام الإِنكارى فى معنى النفى ، وقد دخل هنا على نفى ، ونفى النفى إثبات . وحيث كان الترك منكراً أفاد بطريق برهانى أن إيجاده أمر مطلوب مرغوب فيه ، فيفيد الحث والتحريض عليهم . بأقوى الأدلة ، وأسمى الأساليب . وقد ذكر - سبحانه - هنا ثلاثة أسباب كل واحد منها يحمل المؤمنين على قتال المشركين بغلظة وشجاعة . أما السبب الأول فهو قوله تعالى { نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } أى نقضوا عهودهم وحنثوا فى أيمانهم التى حلفوها لتأكيد هذه العهود . ومن مظاهر ذلك أن هؤلاء المشركين الذين تعاهدوا معكم فى صلح الحديبية على ترك القتال عشر سنين . قد نقضوا عهودهم بمساعدة حلفائهم بنى بكر على قتال حلفائكم بنى خزاعة عند أول فرصة سنحت لهم . والسبب الثانى قوله . سبحانه . { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } والهم المقاربة من الفعل من غير دخول فيه . أى وهموا بإخراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة التى ولد فيها وعاش بها زمنا طويلا … لكنهم لم يستطيعوا ذلك ، بل خرج باختيار . وبإذن الله له فى الهجرة . وقد فصل سبحانه . ما هموا به فى قوله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } وإنما اقتصر ، سبحانه ، فى الآية التى معنا على همهم بإخراجه . صلى الله عليه وسلم . من مكة ، مع أن آية الأنفال قد بينت أنهم قد هموا بأحد أمور ثلاثة - لأن الإِخراج هو الذى وقع أثره فى الخارج بحسب الظاهر ، أما القتل والحبس فلم يكن لهما أثر فى الخارج . وقيل إنه سبحانه . قد اقتصر على الأدنى وهو الهم بالإِخراج ، ليعلم غيره بالطريق الأولى ، إذ الإِخراج أهون من القتل والحبس . وأما السبب الثالث فهو قوله . سبحانه . { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أى وهم الذين كانوا بادئين بقتالكم فى أول لقاء بينكم وبينهم وهو يوم بدر ، كما كانوا بادئين بالعدوان عليكم فى كل قتال بعد ذلك ، كما حدث منهم فى أحد والخندق وكما حدث منهم مع حلفائكم من بنى خزاعة . قال صاحب الكشاف قوله { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أى وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءهم أولا بالكتاب المنير ، وتحداهم به ، فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال . فهم البادئون بالقتال والبادئ أظلم ، فما يمنعكم من أن تقابلوهم بمثله ، وأن تصدموهم بالشر كما صدموكم ؟ فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد ذكرت ثلاثة أمور كل واحد منها كفيل بحمل المؤمنين على قتال المشركين … فكيف وقد توفرت هذه الأمور الثلاثة فى هؤلاء المشركين ؟ . ولم تكتف الآية الكريمة بهذا التهييج والتحريض للمؤمنين على القتال ، بل أمرتهم بأن تكون خشيتهم من الله وحده ، فقال سبحانه { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } . أى أتتركون - أيها المؤمنون - قتال هؤلاء المشركين الذين { نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } خشية منهم … ؟ لا ، إن هذا لا يليق بكم ، وإنما الذى يليق بكم - إن كنتم مؤمنين حقا - أن تكون خشيتكم من الله وحده . قال الإِمام الرازى وهذا الكلام يقوى داعية القتال من وجوه الأول أن تعديد الموجبات القوية وتفصيلها مما يقوى هذه الداعية . الثانى أنك إذا قلت للرجل أتخشى خصمك ؟ كان ذلك تحريكا لأن يستنكف أن ينسب إلى كونه خائفا من خصمه . الثالث أن قوله { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } يفيد ذلك كأنه قيل إن كنت تخشى أحدا فالله أحق أن تخشاه ، لكونه فى غاية القدرة والكبرياء والجلالة … الرابع أن قوله { إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } معناه إن كنتم مؤمنين إيمانا حقا ، وجب عليكم أن تقدموا على هذه المقاتلة ومعناه أنكم إذا لم تقدموا لا تكونوا كذلك ، فثبت أن هذا الكلام مشتمل على سبعة أنواع من الأمور التى تحملهم على مقاتلة أولئك الكفار الناقضين للعهد . ثم أمرهم - سبحانه - أمراً صريحاً قاطعاً بمقاتلة المشركين . ورتب على هذه المقاتلة خمسة أنواع من الفوائد فقال { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } . أى أقدموا على قتالهم وباشروه بشجاعة وإخلاص كما أمركم ربكم ، فإنكم متى فعلتم ذلك { يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } بسبب ما تنزلونه بهم من قتل وأسر وجراحات بليغة ، وإغتنام للأموال . وأسند - سبحانه - التعذيب إليه ، لأنه أمر زائد على أسبابه من الطعن والضرب وما يفضيان إليه من القتل والجرح … والأسر . تلك هى الفائدة الأولى من قتالهم . أما الفائدتان الثانية والثالثة فتتجليان فى قوله . تعالى . { وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } . أى ويخزهم بسبب ما ينزل بهم من هزيمة وهوان وهم يتفاخرون بقواتهم وبأسهم ، وينصركم عليهم بأن يجعل كلمتكم هى العليا وكلمتهم هى السفلى . قال الإِمام الرازى فإن قالوا لما كان حصول ذلك الخزى مستلزما لحصول هذا النصر ، كان إفراده بالذكر عبثاً ؟ فتقول ليس الأمر كذلك ، لأنه من المحتمل أن يحصل الخزى لهم من جهة المؤمنين ، إلا أن المؤمنين قد تحصل لهم آفة لسبب آخر ، فلما قال { وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } دل على أنهم ينتفعون بهذا النصر والفتح والظفر " . والفائدة الرابعة بينها - سبحانه - فى قوله { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } . أى أنكم بقتالكم لهم وانتصاركم عليهم ، تشفون قلوب جماعة من المؤمنين من غيظها المكظوم ، لأن هذه الجماعة قد لقيت ما لقيت من أذى المشركين وظلمهم وغدرهم … فكان انتصاركم عليهم شفاء لصدورهم . قالوا المراد بهؤلاء القوم بنو خزاعة الذين غدر بهم بنو بكر بمساعدة قريش . والأولى أن تكون الجملة الكريمة عامة فى كل من آذاهم المشركون . أما الفائدة الخامسة فقد بينها - سبحانه - . فى قوله { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } أى ويذهب غيظ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين ويزيل كربها وغمها ، لأن الشخص الذى طال أذى خصمه له . ثم مكنه منه على أحسن الوجوه فإن هذا الشخص فى هذه الحالة يعظم سروره ، ويفرح قلبه ، ويتحول غيظه السابق إلى غبطة وارتياح نفسى . قال الآلوسى " وظاهر العطف أن إذهاب الغيظ غير شفاء الصدور . ووجه بأن الشفاء يكون بقتل الأعداء وخزيهم ، وإذهاب الغيظ يكون بالنصر عليهم … وقيل إذهاب الغيظ كالتأكيد لشفاء الصدر ، وفائدته المبالغة فى جعلهم مسرورين بما يمن الله به عليهم من تعذيبه لأعدائهم ، ونصرته لهم عليهم ، ولعل إذهاب الغيظ من القلب أبلغ مما عطف عليه ، فيكون ذكره من باب الترقى … " وقوله - تعالى - { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } كلام مستأنف لبيان شمول قدرة الله - تعالى - ، وواسع رحمته ، وبالغ حكمته . أى ويتوب الله على من يشاء أن يتوب عليه من عباده فيوفقه للايمان ، ويشرح صدره للاسلام ، والله - تعالى - عليم بسائر شئون خلقه ، حكيم فى كل أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته ، فامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه ، لتنالوا السعادة فى دنياكم وآخرتكم . قال الإِمام الرازى ما ملخصه وهذه الآية تدل على كون الصحابة مؤمنين فى علم الله - تعالى - إيمانا حقيقيا لأنها تدل على أن قلوبهم كانت مملوءة بالغضب وبالحمية من أجل الدين ، ومن أجل الرغبة الشديدة فى علو دين الإِسلام ، وهذه الأحوال لا تحصل إلا فى قلوب المؤمنين الصادقين . كما تدل على أنها من المعجزات ، لأنه - تعالى - أخبر عن حصول هذه الأحوال ، وقد وقعت كما أخبر فقد انتصر المؤمنون ، وأسلم من المشركين أناس كثيرون - فيكون ذلك إخبارا عن الغيب ، والإِخبار عن الغيب معجزة . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة التى حرضت المؤمنين على القتال أعظم تحريض ، ببيان بعض الحكم التى من أجلها شرع الجهاد فى سبيل الله ، فقال - تعالى - { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ … } .