Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 86-89)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمراد بالسورة فى قوله - سبحانه - { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } كل سورة ذكر الله - تعالى - فيها وجوب الإِيمان به والجهاد فى سبيله . أى أن من الصفات الذميمة لهؤلاء المنافقين ، أنهم كلما نزلت سورة قرآنية ، تدعو فى بعض آياتها الناس إلى الإِيمان بالله والجهاد فى سبيله ، ما كان منهم عند ذلك إلا الجبن والاستخذاء والتهرب من تكاليف الجهاد … وقوله { ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ … } بيان لحال هؤلاء المنافقين عند نزول هذه السورة . والطول - بفتح الطاء - يطلق على الغنى والثروة ، مأخوذ من مادة الطول بالضم التى هى ضد القصر . والمراد بأولى الطول رؤساء المنافقين وأغنياؤهم والقادرون على تكاليف الجهاد . أى عند نزول السورة الداعية إلى الجهاد ، يجئ هؤلاء المنافقين أصحاب الغنى والثروة ، إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليستأذنوا فى القعود وعدم الخروج … وليقولوا له بجبن واستخذاء { ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } . أى اتركنا يا محمد مع القاعدين فى المدينة من العجزة والنساء والصبيان ، واذهب أنت وأصحابك إلى القتال . وإنما خص ذوى الطول بالذكر ، تخليداً لمذمتهم واحتقارهم لأنه كان المتوقع منهم أن يتقدموا صفوف المجاهدين ، لأنهم يملكون وسائل الجهاد والبذل ، لا ليتخاذلوا ويعتذروا ، ويقولوا ما قالوا مما يدل على جبنهم والتوائهم . وقوله { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } زيادة فى تحقيرهم وذمهم . والخوالف جمع خالفة ، ويطلق على المرأة المتخلفة عن أعمال الرجال لضعفها ، كما يطلق لفظ الخالفة - أيضاً - على كل من لا خير فيه . والمعنى رضى هؤلاء المنافقون لأنفسهم ، أن يبقوا فى المدينة مع النساء ، ومع كل من لا خير فيه من الناس ، ولا يرضى بذلك إلا من هانت كرامته ، وسقطت مروءته ، وألف الذل والصغار . وقوله { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } بيان لما ترتب على استمرارهم فى النفاق ، وعدم رجوعهم إلى طريق الحق . أى أنه ترتب على رسوخهم فى النفاق ، وإصرارهم على الفسوق والعصيان أن ختم الله على قلوبهم ، فصارت لا تفقه ما فى الإِيمان والجهاد من الخير والسعادة ، وما فى النفاق والشقاق من الشقاق والهلاك . وقوله - سبحانه - { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } استدراك لبيان حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، بعد بيان حال المنافقين . أى إذا كان حال المنافقين كما وصفنا من جبن وتخاذل وهوان … فإن حال المؤمنين ليس كذلك ، فإنهم قد وقفوا إلى جانب رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله ، وأطاعوه فى السر والعلن ، وآثروا ما عند الله على كل شئ فى هذه الحياة … وقد بين - سبحانه - جزاءهم الكريم فقال { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } أى أولئك المؤمنون الصادقون لهم الخيرات التى تسر النفس ، وتشرح الصدر فى الدنيا والآخرة { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الفائزون بسعادة الدارين . { أَعَدَّ ٱللَّهُ } - تعالى - لهؤلاء المؤمنين الصادقين { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن } تحت ثمارها وأشجارها ومساكنها { ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ } فى تلك الجنات خلودا أبديا ، و " ذلك " العطاء الجزيل ، هو { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذى لا يدانيه فوز ، ولا تقاربه سعادة . وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت المنافقين لجبنهم ، وسوء نيتهم ، وتخلفهم عن كل خير … ومدحت الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، الذين نهضوا بتكاليف العقيدة ، وأدوا ما يجب عليهم نحو خالقهم وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمته - سبحانه . وبعد أن بين - سبحانه - أحوال المنافقين من سكان المدينة ، أتبع ذلك بالحديث عن المنافقين من الأعراب سكان البادية فقال - تعالى { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ … } .