Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 96-105)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ } ثبتت عليهم . { كَلِمَةُ رَبِّكَ } بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في العذاب . { لاَ يُؤْمِنُونَ } إذ لا يكذب كلامه ولا ينتقض قضاؤه . { وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ } فإن السبب الأصلي لإِيمانهم وهو تعلق إرادة الله تعالى به مفقود . { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } وحينئذ لا ينفعهم كما لا ينفع فرعون . { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ، ولم تؤخر إليها كما أخر فرعون . { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } بأن يقبله الله منها ويكشف العذاب عنها . { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } لكن قوم يونس عليه السلام . { لَمَّا ءامَنُواْ } أول ما رأوا أمارة العذاب ولم يؤخروه إلى حلوله . { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } ويجوز أن تكون الجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه ، فيكون الاستثناء متصلاً لأن المراد من القرى أهاليها كأنه قال : ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس ، ويؤيده قراءة الرفع على البدل . { وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } إلى آجالهم . روي : ( أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل ، فكذبوه وأصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث . وقيل إلى ثلاثين . وقيل إلى أربعين ، فلما دنا الموعد أغامت السماء غيماً أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم ، فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه ، فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرقوا بين كل والدة وولدها فحن بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأخلصوا التوبة وأظهروا الإِيمان وتضرعوا إلى الله تعالى ، فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة ) . { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ } بحيث لا يشد منهم أحد . { جَمِيعاً } مجتمعين على الإِيمان لا يختلفون فيه ، وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ إيمانهم أجمعين ، وأن من شاء إيمانه يؤمن لا محالة ، والتقييد بمشيئة الإلجاء خلاف الظاهر . { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } بما لم يشأ منهم . { حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } وترتيب الإكراه على المشيئة بالفاء وإيلاؤها حرف الاستفهام للإنكار ، وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل فلا يمكن تحصيله بالإكراه عليه فضلاً عن الحث والتحريض عليه ؛ إذ روي أنه كان حريصاً على إيمان قومه شديد الاهتمام به فنزلت . ولذلك قرره بقوله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ } بالله . { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } إلا بإرادته وألطافه وتوفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى الله . { وَيَجْعَلُ ٱلرّجْسَ } العذاب أو الخذلان فإن سببه . وقرىء بالزاي وقرأ أبو بكر « ونجعل » بالنون . { عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والآيات ، أو لا يعقلون دلائله وأحكامه لما على قلوبهم من الطبع ويؤيد الأول قوله : { قُلِ ٱنظُرُواْ } أي تفكروا . { مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } من عجائب صنعه لتدلكم على وحدته وكمال قدرته ، و { مَاذَا } إن جعلت استفهامية علقت { ٱنْظُرُواْ } عن العمل . { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } في علم الله وحكمته { وَمَا } نافية أو استفهامية في موضع النصب . { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها . { قُلْ فَٱنْتَظِرُواْ إِنَّى مَعَكُمْ مّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } لذلك أو فانتظروا هلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم . { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } عطف على محذوف دل عليه { إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } كأنه قيل ؛ نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا ومن آمن بهم ، على حكاية الحال الماضية . { كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } كذلك الإِنجاء أو إنجاء كذلك ننجي محمداً وصحبه حين نهلك المشركين ، و { حَقّاً عَلَيْنَا } اعتراض ونصبه بفعله المقدر . وقيل بدل من كذلك . وقرأ حفص والكسائي { نُنَجّى } مخففاً . { قُلْ يٰ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب لأهل مكة . { إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى } وصحته . { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ } فهذا خلاصة ديني اعتقاداً وعملاً فاعرضوها على العقل الصرف وانظروا فيها بعين الإِنصاف لتعلموا صحتها وهو أني لا أعبد ما تخلقونه وتعبدونه ، ولكن أعبد خالقكم الذي هو يوجدكم ويتوفاكم . وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد . { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بما دل عليه العقل ونطق به الوحي ، وحذف الجار من أن يجوز أن يكون من المطرد مع أن وأن يكون من غيره كقوله : @ أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِه فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَسَبِ @@ { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ } عطف على { أَنْ أَكُونَ } غير { أَن } صلة { أن } محكية بصيغة الأمر ، ولا فرق بينهما في الغرض لأن المقصود وصلها بما يتضمن معنى المصدر لتدل معه عليه ، وصيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها والطلب ، والمعنى وأمرت بالاستقامة في الدين والاستبداد فيه بأداء الفرائض ، والانتهاء عن القبائح ، أو في الصلاة باستقبال القبلة . { حَنِيفاً } حال من الدين أو الوجه . { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } .