Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 30-36)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَذٰلِكَ } مثل ذلك يعني إرسال الرسل قبلك . { أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا } تقدمتها . { أُمَمٌ } أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم . { لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك . { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته ، فلم يشكروا نعمه وخصوصاً ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم ، وإنزال القرآن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم . وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل لهم { ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ الفرقان : 60 ] { قُلْ هُوَ رَبّى } أي الرحمن خالقي ومتولي أمري . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } لا مستحق للعبادة سواه . { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في نصرتي عليكم . { وَإِلَيْهِ مَتَابِ } مرجعي ومرجعكم . { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرآن ، أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي : ولو أن كتاباً زعزعت به الجبال عن مقارها . { أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } تصدعت من خشية الله عند قراءته أو شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً . { أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } فتسمع فتقرؤه ، أو فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإِعجاز والنهاية في التذكير والإِنذار ، أو لما آمنوا به كقوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةَ } [ الأنعام : 111 ] الآية . وقيل إن قريشاً قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع ، أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك ، فنزلت . وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير . وقيل الجواب مقدم وهو قوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } وما بينهما اعتراض وتذكير { كلـٰم } خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي . { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعًا } بل لله القدرة على كل شيءٍ وهو إضراب عما تضمنته { لَوْ } من معنى النفي أي : بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك ، لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } عن إيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم ، وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن علياً وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين قرؤوا « أفلم يتبين » ، وهو تفسيره وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم ، فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلوماً ولذلك علقه بقوله : { أَن لَّوْ يَشَاءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعًا } فإن معناه نفي هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم ، وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره أفلم ييأس الذين آمنوا عن إيمانهم علماً منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً أو { بآمنوا } . { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ } من الكفر وسوء الأعمال . { قَارِعَةٌ } داهية تقرعهم وتقلقهم . { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ } ليفزعون منها ويتطاير إليهم شررها . وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا يزال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريباً من دارهم عام الحديبية . { حَتَّىٰ يَأْتِىَ وَعْدُ ٱللَّهِ } الموت أو القيامة أو فتح مكة . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } لامتناع الكذب في كلامه . { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه ، والإملاء أن يترك ملاوة من الزمان في دعة وأمن . { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي عقابي إياهم . { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلّ نَفْسٍ } رقيب عليها { بِمَا كَسَبَتْ } من خير أو شر لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم ، والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك . { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ } استئناف أو عطف على { كَسَبَتْ } إن جعلت « ما » مصدرية ، أو لم يوحدوه وجعلوا عطف عليه ويكون الظاهر فيه موضع الضمير للتنبيه على أنه المستحق للعبادة وقوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } تنبيه على أن هؤلاء الشركاء لا يستحقونها ، والمعنى صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة . { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ } بل أتنبئونه . وقرىء « تنبئونه » بالتخفيف . { بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلأَرْضِ } بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم ، أو بصفات لهم يستحقونها لأجلها لا يعلمها وهو العالم بكل شيء . { أَم بِظَـٰهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى كتسمية الزنجي كافوراً وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإِعجاز . { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ } تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها حقاً ، أو كيدهم للإسلام بشركهم . { وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } سبيل الحق ، وقرأ ابن كثير . ونافع وأبو عمرو وابن عامر { وَصَدُّواْ } بالفتح أي وصدوا الناس عن الإِيمان ، وقرىء بالكسر « وَصَدُ » بالتنوين . { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } يخذله . { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يوفقه للهدى . { لَّهُمْ عَذَابٌ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب . { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ } لشدته ودوامه . { وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ } من عذابه أو من رحمته . { مِن وَاقٍ } حافظ . { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } صفتها التي هي مثل في الغرابة ، وهو مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة وقيل خبره . { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } على طريقة قولك صفة زيد أسمر ، أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار ، أو على زيادة المثل وهو على قول سيبويه حال من العائد أو المحذوف أو من الصلة . { أُكُلُهَا دَائِمٌ } لا ينقطع ثمرها . { وِظِلُّهَا } أي وظلها كذلك لا ينسخ في الدنيا بالشمس { تِلْكَ } أي الجنة الموصوفة . { عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } مآلهم ومنتهى أمرهم . { وَّعُقْبَى ٱلْكَـٰفِرِينَ ٱلنَّارُ } لا غير ، وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين . { وَٱلَّذِينَ اتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلاً أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة ، أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم . { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ } يعني كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما . { مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } وهو ما يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرفوه منها . { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ } جواب المنكرين أي قل لهم إني أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله وأوحده ، وهو العمدة في الدين ولا سبيل لكم إلى إنكاره ، وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخالفة الشرائع والكتب الإِلهية في جزئيات الأحكام . وقرىء { وَلاَ أُشْرِكُ } بالرفع على الاستئناف . { إِلَيْهِ ٱدْعُواْ } لا إلى غيره . { وَإِلَيْهِ مَآبِ } وإليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره ، وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء ، وأما ما عدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم فلا معنى لإنكاركم المخالفة فيه .