Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 20-29)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ } تعيشون بها من المطاعم والملابس . وقرىء « معائش » بالهمزة الى التشبيه بشمائل : { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرٰزِقِينَ } عطف على { مَعَـٰيِشَ } أو على محل { لَكُمْ } ، ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظناً كاذباً ، فإن الله يرزقهم وإياهم ، وفذلكة الآية الاستدلال يجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين مختلفة الأجزاء في الوضع محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة ، مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته ، والتفرد في الألوهية والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك ليوحدوه ويعبدوه ، ثم بالغ في ذلك وقال : { وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه ، فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد . { وَمَا نُنَزِّلُهُ } من بقاع القدرة . { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } حده الحكمة وتعلقت به المشيئة ، فإن تخصيص بعضها بالإِيجاد في بعض الأوقات مشتملاً على بعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم . { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } حوامل ، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم ، أو ملقحات للشجر ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله : @ وَمُخْتَبِـطٌ مِمَّـا تُطِيـحُ الطَـوَائِـحُ @@ وقرىء { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ } على تأويل الجنس . { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } فجعلناه لكم سقيا . { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَـٰزِنِينَ } قادرين متمكنين من إخراجه ، نفى عنهم ما أثبته لنفسه ، أو حافظين في الغدران والعيون والآبار ، وذلك أيضاً يدل على المدبر الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس ، فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له من سبب مخصص . { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِِي } بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها . { وَنُمِيتُ } بإزالتها وقد أول الحياة بما يعم الحيوان والنبات وتكرير الضمير للدلالة على الحصر . { وَنَحْنُ ٱلْوٰرِثُونَ } الباقون إذا مات الخلائق كلها . { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأخِرِينَ } من استقدم ولادة وموتاً ومن استأخر ، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد ، أو من تقدم في الإِسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة ، أو تأخر لا يخفى علينا شيء من أحوالكم ، وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته ، فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه . وقيل رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت . وقيل إن امرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم بعض القوم لئلا ينظر إليها وتأخر بعض ليبصرها فنزلت . { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } لا محالة للجزاء ، وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والمتولي لحشرهم لا غير ، وتصدير الجملة بـ { إِنَّ } لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله : { إِنَّهُ حَكِيمٌ } باهر الحكمة متقن في أفعاله . { عَلِيمٌ } وسع علمه كل شيء . { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن صَلْصَـٰلٍ } من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر . وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل . { مّنْ حَمَإٍ } طين تغير وأسود من طول مجاورة الماء ، وهو صفة صلصال أي كائن { مِّنْ حَمَإٍ } . { مَّسْنُونٍ } مصور من سنه الوجه ، أو منصوب لييبس ويتصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب ، من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم غير ذلك طوراً بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه ، أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ، فإن ما يسيل بينهما يكون منتناً ويسمى السنين . { وَٱلْجَآنَّ } أبا الجن . وقيل ابليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإِنسان ، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقاً منها وانتصابه بفعل يفسره . { خَلَقْنَـٰهُ مِن قَبْلُ } من قبل خلق الإنسان . { مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلاً عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي ، وقوله : { مّن نَّارٍ } باعتبار الغالب كقوله : { خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول للجمع والإِحياء . { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } واذكر وقت قوله : { لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّى خَـٰلِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } . { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } عدلت خلقته وهيأته لنفخ الروح فيه . { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي ، وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ، ولما كان الروح يتعلق أولاً بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه الحيوانية فيسري حاملاً لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن ، جعل تعلقه بالبدن نفخاً وإضافة الروح إلى نفسه لما مر في « النساء » . { فَقَعُواْ لَهُ } فاسقطوا له . { سَـٰجِدِينَ } أمر من وقع يقع .