Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 104-110)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } لا يصدقون أنها من عند الله . { لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ } إلى الحق أو إلى سبيل النجاة . وقيل إلى الجنة . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة ، هددهم على كفرهم بالقرآن بعدما أماط شبهتهم ورد طعنهم فيه ، ثم قلب الأمر عليهم فقال : { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } لأنهم لا يخافون عقاباً يردعهم عنه . { وَأُوْلٰـئِكَ } إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش . { هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } أي الكاذبون على الحقيقة ، أو الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله والطعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب ، أو الذين عادتهم الكذب لا يصرفهم عنه دين ولا مروءة ، أو الكاذبون في قولهم : { إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } { إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } . { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ } بدل من الذين لا يؤمنون وما بينهما اعتراض ، أو من { أُوْلَـٰئِكَ } أو من { ٱلْكَـٰذِبُونَ } ، أو مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله : { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } ويجوز أن ينتصب بالذم وأن تكون من شرطية محذوفة الجواب دل عليه قوله : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } على الافتراء أو كلمة الكفر ، استثناء متصل لأن الكفر لغة يعم القول والعقد كالإِيمان . { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ } لم تتغير عقيدته ، وفيه دليل على أن الإِيمان هو التصديق بالقلب . { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } اعتقده وطاب به نفساً . { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } إذ لا أعظم من جرمه . روي " أن قريشاً أكرهوا عماراً وأبويه ياسراً وسمية على الارتداد ، فربطوا سمية بين بعيرين وجيء بحربة في قبلها وقالوا : أنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت ، وقتلوا ياسراً وهما أول قتيلين في الإِسلام ، وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرهاً فقيل : يا رسول الله إن عماراً كفر فقال : كلا إن عماراً ملىء إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى عمار : رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه ويقول : ما لك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " . وهو دليل على جواز التكلم بالكفر عند الإكراه وإن كان الأفضل أن يتجنب عنه إعزازاً للدين كما فعله أبواه لما روي ( " أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فما تقول فيَّ فقال : أنت أيضاً فخلاه ، وقال للآخر ما تقول في محمد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فما تقول في ؟ قال : أنا أصم ، فأعاد عليه ثلاثاً فأعاد جوابه فقتله ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما الأول فقد أخذ برخصة الله ، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له " { ذٰلِكَ } إشارة إلى الكفر بعد الإِيمان أو الوعيد . { بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ } بسبب أنهم آثروها عليها . { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان ولا يعصمهم من الزيغ . { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } فأبت عن إدراك الحق والتأمل فيه . { وَأُولَٰـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } الكاملون في الغفلة إذ أغفلتهم الحالة الراهنة عن تدبر العواقب . { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَـٰسِرونَ } إذ ضيعوا أعمارهم وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلد . { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } أي عذبوا كعمار رضي الله تعالى عنه بالولاية والنصر ، و { ثُمَّ } لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك ، وقرأ ابن عامر فتنوا بالفتح أي من بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي أكره مولاه جبراً حتى ارتد ثم أسلم وهاجر . { ثُمَّ جَـٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ } على الجهاد وما أصابهم من المشاق . { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } من بعد الهجرة والجهاد والصبر . { لَغَفُورٌ } ، لما فعلوا قبل . { رَّحِيمٌ } منعم عليهم مجازاة على ما صنعوا بعد .