Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 114-120)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـلاً طَيّباً } أمرهم بأكل ما أحل الله لهم وشكر ما أنعم عليهم بعدما زجرهم عن الكفر وهددهم عليه بما ذكر من التمثيل والعذاب الذي حل بهم ، صداً لهم عن صنيع الجاهلية ومذاهبها الفاسدة . { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } تطيعون ، أو إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادة الآلهة عبادته . { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما أمرهم بتناول ما أحل لهم عدد عليهم محرماته ليعلم أن ما عداها حل لهم ، ثم أكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } كما قالوا { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا } [ الأنعام : 139 ] الآية ، ومقتضى سياق الكلام وتصدير الجملة بإنما حصر المحرمات في الأجناس الأربعة إلا ما ضم إليه دليل : كالسباع والحمر الأهلية ، وانتصاب { ٱلْكَذِبَ } بـ { لاَ تَقُولُواْ } و { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل منه أو متعلق بتصف على إرادة القول أي : ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام ، أو مفعول { لاَ تَقُولُواْ } ، و { ٱلْكَذِبَ } منتصب بـ { تَصِفُ } وما مصدرية أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي : لا تحرموا ولا تحللوا بمجرد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل ، ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتكم تصفها وتعرفها بكلامهم هذا ، ولذلك عد من تصحيح الكلام كقولهم : وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر . وقرىء { ٱلْكَذِبَ } بالجر بدلاً من « ما » ، و { ٱلْكَذِبَ } جمع كذوب أو كذاب بالرفع صفة للألسنة وبالنصب على الذم أو بمعنى الكلم الكواذب . { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } تعليل لا يتضمن الغرض . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } لما كان المفتري يفتري لتحصيل مطلوب نفي عنهم الفلاح وبينه بقوله : { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } أي ما يفترون لأجله أو ما هم فيه منفعة قليلة تنقطع عن قريب . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة . { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ } أي في سورة « الأنعام » في قوله : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } [ الأنعام : 146 ] { مِن قَبْلُ } متعلق بـ { قَصَصْنَا } أو بـ { حَرَّمْنَا } . { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } بالتحريم . { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه ، وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم وأنه كما يكون للمضرة يكون للعقوبة . { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوء بِجَهَـٰلَةٍ } بسببها أو ملتبسين بها ليعم الجهل بالله وبعقابه وعدم التدبر في العواقب لغلبة الشهوة ، والسوء يعم الافتراء على الله وغيره . { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } من بعد التوبة . { لَغَفُورٌ } لذلك السوء . { رَّحِيمٌ } يثيب على الإنابة . { إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً } لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا مفرقة في أشخاص كثيرة كقوله : @ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَجْمَعَ العَالَمَ فِي وَاحِدٍ @@ وهو رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي جادل فرق المشركين ، وأبطل مذاهبهم الزائغة بالحجج الدامغة ، ولذلك عقب ذكره بتزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن في النبوة وتحريم ما أحله ، أو لأنه كان وحده مؤمناً وكان سائر الناس كفاراً . وقيل هي فعلة بمعنى مفعول كالرحلة والنخبة من أمه إذا قصده ، أو اقتدى به فإن الناس كانوا يؤمونه للاستفادة ويقتدون بسيرته كقوله : { إِنّي جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } [ البقرة : 124 ] { قَـٰنِتًا لِلَّهِ } مطيعاً له قائماً بأوامره . { حَنِيفاً } مائلاً عن الباطل . { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } كما زعموا فإن قريشاً كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم .