Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 4-16)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ } جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع والشكل . { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } منطيق مجادل . { مُّبِينٌ } للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل : { مِنْ يُحْيِىٰ ٱلْعِظَـٰمَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] روي أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم وقال : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمَّ . فنزلت . { وَٱلأَنْعَـٰمَ } الإِبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره . { خَلَقَهَا لَكُمْ } أو بالعطف على الإِنسان ، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له . { فِيهَا دِفْءٌ } ما يدفأ به فيقي البرد . { وَمَنَـٰفِعُ } نسلها ودرها وظهورها ، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها . { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان ، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي ، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش ، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه . { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } زينة . { حِينَ تُرِيحُونَ } تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي . { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها ، وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع ، ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها . وقرىء « حيناً » على أن { تُرِيحُونَ } { وتسرحون } وصفان له بمعنى { تُرِيحُونَ } فيه { وتسرحون } فيه . { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } أحمالكم . { إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ } أي إن لم تكن الأنعام ولم تخلق فضلاً أن تحملوها على ظهوركم إليه . { إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } إلا بكلفة ومشقة . وقرىء بالفتح وهو لغة فيه . وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف ، كأنه ذهب نصف قوته بالتعب . { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم . { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ } عطف على { ٱلأَنْعَـٰمِ } . { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة . وقيل هي معطوفة على محل { لِتَرْكَبُوهَا } وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله ، ولأن المقصود مِنْ خَلْقِهَا الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض . وقرىء بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة { لِتَرْكَبُوهَا } أو مصدراً في موضع الحال من أحد الضميرين أي : متزينين أو متزيناً بها ، واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالباً أن لا يقصد منه غيره أصلاً ، ويدل عليه أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر . { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالباً احتياجاً ضرورياً أو غير ضروري أجمل غيرها ، ويجوز أن يكون إخباراً بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به ، وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر . { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } بيان مستقيم الطريق الموصل إلى الحق ، أو إقامة السبيل وتعديلها رحمة وفضلاً ، أو عليه قصد السبيل يصل إليه من يسلكه لا محالة يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم ، كأنه يقصد الوجه الذي يقصده السالك لا يميل عنه ، والمراد من { ٱلسَّبِيلِ } الجنس ولذلك أضاف إليه الـ { قَصْدُ } وقال : { وَمِنْهَا جَائِرٌ } حائد عن القصد أو عن الله ، وتغيير الأسلوب لأنه ليس بحق على الله تعالى أن يبين طرق الضلالة ، أو لأن المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض . وقرىء و « منكم جائر » أي عن القصد . { وَلَوْ شَاء } الله . { لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السبيل هداية مستلزمة للاهتداء . { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء } من السحاب أو من جانب السماء . { مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ } ما تشربونه ، { وَلَكُمْ } صلة { أَنَزلَ } أو خبر { شَرَابٌ } و { مِنْ } تبعيضية متعلقة به ، وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه لقوله : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ } [ الزمر : 21 ] وقوله : { فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ } [ المؤمنون : 18 ] { وَمِنْهُ شَجَرٌ } ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي . وقيل كل ما نبت على الأرض شجر قال : @ يَعْلِفُهَا اللَّحْمَ إِذَا عَزَّ الشَّجَر وَالخَيْلُ فِي إِطْعَامِهَا اللَّحْم ضَرَر @@ { فِيهِ تُسِيمُونَ } ترعون ، من سامت الماشية وأسامها صاحبها ، وأصله السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات . { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ } وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم . { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلاعْنَـٰبَ وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } وبعض كلها إذا لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار ، ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانياً هو أشرف الأغذية ، ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } على وجود الصانع وحكمته ، فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها ، فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجرة ، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها . ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار ، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع مع اتحاد المواد ونسبة الطبائع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل ، علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ولعل فصل الآية به لذلك . { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ } بأن هيأها لمنافعكم . { مُسَخَّرٰتٌ بِأَمْرِهِ } حال من الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء ، أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه ، وفيه إيذان بالجواب عما عسى أن يقال إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها ، فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضاً ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجود المحتملة ، فلا بد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعاً للدور والتسلسل ، أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع . وقرأ حفص { وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرٰتٌ } على الابتداء والخبر فيكون تعميماً للحكم بعد تخصيصه ورفع ابن عامر { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } أيضاً . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } جمع الآية ، وذكر العقل لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة غير محوجة إلى استيفاء فكر كأحوال النبات . { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } عطف على { ٱلَّيْلَ } ، أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات . { مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ } أصنافه فإنها تتخالف باللون غالباً . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } إن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم . { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ } جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص . { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّاً } هو السمك ، ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم يسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله ، ولإِظهار قدرته في خلقه عذباً طرياً في ماء زعاق ، وتمسك به مالك والثوري على أن من حلف أن لا يأكل لحماً حنث بأكل السمك . وأجيب عنه بأن مبنى الإِيمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإِطلاق ألا ترى أن الله تعالى سمى الكافر دابة ولا يحنث الخالق على أن لا يركب دابة بركوبه . { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } كاللؤلؤ والمرجان أي تلبسها نساؤكم ، فأسند إليهم لأنهن من جملتهم ولأنهن يتزين بها لأجلهم . { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ } السفن . { مَوَاخِرَ فِيهِ } جواري فيه تشقه بحيزومها ، من المخر وهو شق الماء . وقيل صوت جري الفلك . { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } من سعة رزقه بركوبها للتجارة . { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها ، ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام من حيث أنه جعل المهالك سبباً للانتفاع وتحصيل المعاش . { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } جبالاً رواسي . { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } كراهة أن تميل بكم وتضطرب ، وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع ، وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك ، أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة . وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة : ما هي بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال . { وَأَنْهَـٰراً } وجعل فيها أنهاراً لأن ألقى فيه معناه . { وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } لمقاصدكم ، أو إلى معرفة الله سبحانه وتعالى . { وَعَلامَـٰتٍ } معالم يستدل بها السابلة من جبل وسهل وريح ونحو ذلك . { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } بالليل في البراري والبحار ، والمراد بالنجم الجنس ويدل عليه قراءة « وَبِٱلنَّجْمِ » بضمتين وضمة وسكون على الجمع . وقيل الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي ، ولعل الضمير لقريش لأنهم كانوا كثيري الأسفار للتجارة مشهورين بالاهتداء في مسايرهم بالنجوم ، وإخراج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم النجم وإقحام الضمير للتخصيص كأنه قيل : وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون ، فالاعتبار بذلك والشكر عليه ألزم لهم وأوجب عليهم .