Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 28-39)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ } وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد ، ويجوز أن يراد بالإِعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية . { ٱبْتِغَاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا } لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه ، أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه ، ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله : { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } أي فقل لهم قولاً ليناً ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم ، والميسور من يسر الأمر مثل سَعُدَ الرَّجل ونحس ، وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله تعالى ورزقنا الله وإياكم . { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر ، نهى عنهما آمراً بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم . { فَتَقْعُدَ مَلُومًا } فتصير ملوماً عند الله وعند الناس بالإِسراف وسوء التدبير . { مَّحْسُوراً } نادماً أو منقطعاً بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه . وعن جابر ( بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس أتاه صبي فقال : إن أمي تستكسيك درعاً ، فقال صلى الله عليه وسلم من ساعة إلى ساعة فعد إلينا ، فذهب إلى أمه فقالت : قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك ، فدخل صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل الله ذلك ) ثم سلاه بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ } يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الإِضافة إلا لمصلحتك . { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ، ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر ، فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا ، أو أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط ، وأن يكون تمهيداً لقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ } مخافة الفاقة ، وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمن لهم أرزاقهم فقال : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ حُوباً كَبِيراً } ذنباً كبيراً لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع ، والـ { خطأ } الاثم يقال خطىء خطأ كأثم إثماً ، وقرأ ابن عامر « خطأ » وهو اسم من اخطأ يضاد الصواب ، وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر . وقرأ ابن كثير « خطاء » بالمد والكسر وهو إما لغة فيه أو مصدر خاطأ وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله : @ تَخَاطَأَهُ القَناصُ حَتَّى وَجَدْتُه وَخَرْطُومُهُ فِي مَنْقعِ المَاءِ رَاسِب @@ وهو مبني عليه وقرىء « خطاء » بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحاً ومكسوراً . { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا } بالعزم والإِتيان بالمقدمات فضلاً عن أن تباشروه . { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } فعلة ظاهرة القبح زائدته . { وَسَاء سَبِيلاً } وبئس طريقاً طريقه ، وهو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن . { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان : وزنا بعد إحصان ، وقتل مؤمن معصوم عمداً . { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا } غير مستوجب للقتل . { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ } للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث . { سُلْطَـٰناً } تسلطاً بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه ، أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى { مَظْلُومًا } بدل على أن القتل عمد عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلماً . { فَلاَ يُسْرِف } أي القاتل . { فّى ٱلْقَتْلِ } بأن يقتل من لا يستحق قتله ، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة ، أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي « فلا تسرفوا » . وقرأ حمزة والكسائي « فلا تسرف » على خطاب أحدهما . { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } علة النهي على الاستئناف والضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب ، وإما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته ، وإما للذي يقتله الولي إسرافاً بإيجاب القصاص أو التعزير والوزر على المسرف . { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } فضلاً أن تتصرفوا فيه . { إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } إلا بالطريقة التي هي أحسن . { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء . { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } بما عاهدكم الله من تكاليفه ، أو ما عاهدتموه وغيره . { إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَّسْئُولاً } مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به ، أو مسؤولاً عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت ، أو يسأل العهد تبكيتاً للناكث كما يقال للموءودة { بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } [ التكوير : 9 ] فيكون تخييلاً ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولاً . { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ } ولا تبخسوا فيه { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } بالميزان السوي ، وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن ، لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإِعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربياً . وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا وفي « الشعراء » . { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } وأحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع . { وَلاَ تَقْفُ } ولا تتبع وقرىء { وَلاَ تَقْفُ } من قاف أثره إذا قفاه ومنه القافة . { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب ، واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند ، سواء كان قطعاً أو ظناً واستعماله بهذا المعنى سائغ وشائع . وقيل إنه مخصوص بالعقائد . وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " وقول الكميت : @ وَلاَ أَرْمِي البَرِيء بِغَيْرِ ذَنْب وَلاَ أَقْفُو الحَواصِنَ إِنْ قفينا @@ { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ } أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها ، هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله : @ وَالعَيْـشُ بَعْـدَ أُولَئِـكَ الأَيَـامِ @@ { كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولاً } في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولاً عن نفسه ، يعني عما فعل به صاحبه ، ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر { لا تَقْفُ } أو لصاحب السمع والبصر . وقيل { مَسْؤُولاً } مسند إلى { عَنْهُ } كقوله تعالى : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } [ الفاتحة : 7 ] والمعنى يسأل صاحبه عنه ، وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم ، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية . وقرىء { وَٱلْفُؤَادَ } بقلب الهمزة واواً بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح . { وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا } أي ذا مرح وهو الاختيال . وقرىء { مَرَحاً } وهو باعتبار الحكم أبلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت . { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ } لن تجعل فيها خرقاً بشدة وطأتك . { وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } بتطاولك وهو تهكم بالمختال ، وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل . { كُلُّ ذٰلِكَ } إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة . من قوله تعالى : { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السلام . { كَانَ سَيّئُهُ } يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه . وقرأ الحجازيان والبصريان { سَيّئُهُ } على أنها خبر { كَانَ } والاسم ضمير { كُلٌّ } ، و { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله : { عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا } بدل من { سَيّئُهُ } أو صفة لها محمولة على المعنى ، فإنه بمعنى سيئاً وقد قرىء به ، ويجوز أن ينتصب مكروهاً على الحال من المستكن في { كَانَ } أو في الظرف على أنه صفة { سَيّئُهُ } ، والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى . { ذٰلِكَ } إشارة إلى الأحكام المتقدمة . { مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ } التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به . { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه ، وأنه رأس الحكمة وملاكها ، ورتب عليه أولاً ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانياً ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى : { فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا } تلوم نفسك . { مَّدْحُورًا } مبعدًا من رحمة الله تعالى .