Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 59-64)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَـٰتِ } ما صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحها قريش . { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم في الطبع كعاد وثمود ، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك ، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم ، لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن . ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال : { وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ } بسؤالهم . { مُبْصِرَةً } بينة ذات أبصار أو بصائر ، أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرىء بالفتح . { فَظَلَمُواْ بِهَا } فكفروا بها ، أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها . { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَـٰتِ } أي بالآيات المقترحة . { إِلاَّ تَخْوِيفًا } من نزول العذاب المستأصل ، فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفاً بعذاب الآخرة ، فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة ، والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف . { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ } واذكر إذ أوحينا إليك . { إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } فهم في قبضة قدرته ، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو ، فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه . { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءيَا ٱلَّتِى أَرَيْنَـٰكَ } ليلة المعراج وتعلق به من قال إنه كان في المنام ، ومن قال إنه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية . أو عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة . وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ ، ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى : { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً } [ الأنفال : 43 ] ولما روي " أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان ، فتسامعت به قريش واستسخروا منه " وقيل رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال : « هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم » ، وعلى هذا كان المراد بقوله : { إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ } ما حدث في أيامهم . { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلقُرْءانِ } عطف على { ٱلرُّءيَا } وهي شجرة الزقوم ، لما سمع المشركون ذكرها قالوا إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر ، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار ، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها ، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها . ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة ، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة ، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً ، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي ، وقرأت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك . { وَنُخَوّفُهُمْ } بأنواع التخويف . { فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا } إلا عتواً متجاوز الحد . { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } لمن خلقته من طين ، فنصب بنزع الخافض ، ويجوز أن يكون حالاً من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين ، أو منه أي أأسجد له وأصله طين . وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار . { قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإِعراب ، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف للدلالة صلته عليه ، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي . { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } أي لأستأصلنهم بالاغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم ، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً ، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قول الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] مع التقرير ، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب . { قَالَ ٱذْهَبْ } امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه . { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب ، ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات . { جَزَاء مَّوفُورًا } مكملاً من قولهم فر لصاحبك عرضه ، وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في { جَزَاؤُكُمْ } من معنى تجازون ، أو حال موطئة لقوله { مَّوفُورًا } . { وَٱسْتَفْزِزْ } واستخفف . { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } أن تستفزه والفز الخفيف . { بِصَوْتِكَ } بدعائك إلى الفساد . { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم } وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح . { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } بأعوانك من راكب وراجل ، والخيل الخيالة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " يا خيل الله اركبي " والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب ، ويجوز أن يكون تمثيلاً لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم . وقرأ حفص { وَرَجِلِكَ } بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه : وجمعك الرجل . وقرىء و « رجالك » و « رجالك » . { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوٰلِ } بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي . { وَٱلأَوْلْـٰدِ } بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم ، والإِشراك فيه بتسميته عبد العزى ، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة والحرف الذميمة والأفعال القبيحة . { وَعِدْهُمْ } المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة لطول الأمل . { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } اعتراض لبيان مواعيده الباطلة ، والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب .