Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 12-20)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ } أيقظناهم . { لِنَعْلَمَ } ليتعلق علمنا تعلقاً حالياً مطابقاً لتعلقه أولاً تعلقاً استقبالياً . { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم . { أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا } ضبط أمد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم ، فهو مبتدأ و { أَحْصَىٰ } خبره . وهو فعل ماضٍ و { أَمَدًا } مفعول له و { لِمَا لَبِثُواْ } حال منه أو مفعول له ، وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة و { أَمَدًا } تمييز ، وقيل { أَحْصَىٰ } اسم تفضيل من الإِحصاء بحذف الزوائد كقولهم : هو أحصى للمال وأفلس من ابن المذلق ، و { أَمَدًا } نصب بفعل دل عليه { أَحْصَىٰ } كقوله : @ وَأضـرب مِـنَّا بِالسُّيُـوفِ القَوَانِـسَا @@ { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقّ } بالصدق . { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } شبان جمع فتى كصبي وصبية . { ءَامَنُواْ بِرَبّهِمْ وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى } بالتثبيت . { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } وقويناها بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال ، والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار . { إِذْ قَامُواْ } بين يديه . { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } والله لقد قلنا قولاً ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم . { هَـؤُلاء } مبتدأ . { قَوْمُنَا } عطف بيان . { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } خبره ، وهو إخبار في معنى إنكار . { لَّوْلاَ يَأْتُونَ } هلا يأتون . { عَلَيْهِمْ } على عبادتهم . { بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ } ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به ، وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وأن التقليد فيه غير جائز . { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } بنسبة الشريك إليه . { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } خطاب بعضهم لبعض . { وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ } عطف على الضمير المنصوب ، أي وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله ، فإنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام كسائر المشركين . ويجوز أن تكون { مَا } مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله ، وأن تكون نافية على أنه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترض بين { إِذْ } وجوابه لتحقيق اعتزالهم . { فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم } يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم . { مّن رَّحْمَتِهِ } في الدارين . { وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا } ما ترتفقون به أي تنتفعون ، وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى ، وقرأ نافع وابن عامر { مّرْفَقًا } بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذاً كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح . { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ } لو رأيتهم ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل أحد . { إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم ، لأن الكهف كان جنوبياً ، أو لأن الله تعالى زورها عنهم . وأصله تتزاور فأدغمت التاء في الزاي ، وقرأ الكوفيون بحذفها وابن عامر ويعقوب « تزور » كتحمر ، وقرىء « تزوار » كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل . { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين . { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ } تقطعهم وتصرم عنهم . { ذَاتَ ٱلشّمَالِ } يعني يمين الكهف وشماله لقوله : { وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ } أي وهم في متسع من الكهف ، يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس ، وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش ، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه ، والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأبيض وهو الذي يلي المغرب ، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبيه ، ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم . { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي شأنهم وإيواؤهم إلى كهف شأنه كذلك ، أو إخبارك قصتهم ، أو ازورار الشمس عنهم وقرضها طالعة وغاربة من آيات الله . { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } بالتوفيق . { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } الذي أصاب الفلاح ، والمراد به إما الثناء عليهم أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للتأمل فيها والاستبصار بها . { وَمَن يُضْلِلِ } ومن يخذله . { فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا } من يليه ويرشده : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا } لانفتاح عيونهم أو لكثرة تقلبهم . { وَهُمْ رُقُودٌ } نيام . { وَنُقَلّبُهُمْ } في رقدتهم . { ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشّمَالِ } كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان . وقرىء « ويقلبهم » بالياء والضمير لله تعالى ، و « تَقَلُبَهُمْ » على المصدر منصوباً بفعل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم . { وَكَلْبُهُمْ } هو كلب مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله تعالى فقال : أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم . أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب ، ويؤيده قراءة من قرأ : و « كالبهم » أي وصاحب كلبهم . { بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل . { بِٱلوَصِيدِ } بفناء الكهف ، وقيل الوصيد الباب ، وقيل العتبة . { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ } فنظرت إليهم ، وقرىء { لَو ٱطَّلَعْتَ } بضم الواو . { لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا } لهربت منهم ، و { فِرَاراً } يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال . { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } خوفاً يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم . وقيل لوحشة مكانهم . وعن معاوية رضي الله عنه أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال : لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا } فلم يسمع وبعث ناساً فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم . وقرأ الحجازيان { لَمُلِئْتَ } بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب { رُعْبًا } بالتثقيل . { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ } وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا . { لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ } ليسأل بعضهم بعضاً فتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقيناً على كمال قدرة الله تعالى ، ويستبصروا به أمر البعث ويشكروا ما أنعم الله به عليهم . { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } بناء على غالب ظنهم لأن النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك أحالوا العلم إلى الله تعالى . { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا إنكار الآخرين عليهم . وقيل إنهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا ظهيرة وظنوا أنهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك ، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه أخذوا فيما يهمهم وقالوا : { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ، وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف . وقرىء بالتثقيل وإدغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغماً وغير مدغم ، ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده ، وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس . { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا } أي أهلها . { أَزْكَىٰ طَعَامًا } أحل وأطيب أو أكثر وأرخص . { فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن ، أو في التخفي حتى لا يعرف . { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور . { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم ، والضمير للأهل المقدر في { أَيُّهَا } . { يَرْجُمُوكُمْ } يقتلوكم بالرجم . { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ } أو يصيروكم إليها كرهاً من العود بمعنى الصيرورة . وقيل كانوا أولاً على دينهم فآمنوا . { وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا } إن دخلتم في ملتهم .