Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 30-37)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } خبر إن الأولى وهي الثانية بما في حيزها ، والراجع محذوف تقديره من أحسن عملاً منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملاً كما هو مستغنى عنه في قولك : نعم الرجل زيد ، أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملاً لا يحسن اطلاقه على الحقيقة إلا على الذين آمنوا وعملوا الصالحات . { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } وما بينهما اعتراض وعلى الأول استئناف لبيان الأجر أو خبر ثان . { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } من الأولى للابتداء والثانية للبيان صفة لـ { أَسَاوِرَ } ، وتنكيره لتعظيم حسنها من الإِحاطة به وهو جمع أسورة أو أسوار في جمع سوار . { وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا } لأن الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة . { مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } مما رقّ من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين . { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } على السرر كما هو هيئة المتنعمين . { نِعْمَ ٱلثَّوَابُ } الجنة ونعيمها . { وَحَسُنَتْ } الأَرَائك { مُرْتَفَقتً } متكأ . { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً } للكافر والمؤمن . { رَّجُلَيْنِ } حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا ، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا ، فاشترى الكافر بها ضياعاً وعقاراً وصرفها المؤمن في وجوه الخير ، وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى . وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الأشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم { جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } بستانين . { مّنْ أَعْنَـٰبٍ } من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين . { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزراً بها كرومهما ، يقال حفه القوم إذا أطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقولك : غشيته به . { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا } وسطهما . { زَرْعًا } ليكون كل منهما جامعاً للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الأنيق . { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ اتَتْ أُكُلَهَا } ثمرها ، وإفراد الضمير لإِفراد { كِلْتَا } وقرىء « كل الجنتين آتى أكله » . { وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ } ولم تنقص من أكلها . { شَيْئاً } يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالباً . { وَفَجَّرْنَا خِلَـٰلَهُمَا نَهَراً } ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما ، وعن يعقوب « وَفَجرنَا » بالتخفيف . { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره . وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم ، وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } { فَقَالَ لَصَـٰحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } يراجعه في الكلام من حار إذا رجع . { أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } حَشَماً وأعواناً . وقيل أولاداً ذكوراً لأنهم الذين ينفرون معه . { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها ، وإفراد الجنة لأن المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيهاً على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون ، أو لاتصال كل واحد من جنتيه بالأخرى ، أو لأن الدخول يكون في واحدة واحدة . { وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ } ضار لها بعجبه وكفره { قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ } أن تفنى . { هَـٰذِهِ } الجنة . { أَبَدًا } لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته . { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } كائنة . { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى } بالبعث كما زعمت . { لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا } من جنته ، وقرأ الحجازيان والشامي « منهما » أي من الجنتين . { مُنْقَلَباً } مرجعاً وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية ، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه . { قَالَ لَهُ صَـٰحِبُهُ وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك . { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } فإنها مادتك القريبة . { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } ثم عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال . جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى ، ولذلك رتب الإِنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه .