Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 50-55)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال ، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس ، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان . زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها ، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العدواة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن . { كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ } حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل : ما له لم يسجد فقيل كان من الجن . { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ } فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب ، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى أَلبتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة « البقرة » . { أَفَتَتَّخِذُونَهُ } أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإِنكار والتعجب . { وَذُرّيَّتَهُ } أولاده أو أتباعه ، وسماهم ذرية مجازاً . { أَوْلِيَاء مِن دُونِى } فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي . { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً } من الله تعالى إبليس وذريته ، { وَمَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } نفي إحضار إبليس وذريته خلق السموات والأرض ، و إحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله : { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً } أي أعواناً رداً لاتخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة ، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها ، فوضع { ٱلْمُضِلّينَ } موضع الضمير ذماً لهم واستبعاداً للاعتضاد بهم . وقيل الضمير للمشركين والمعنى : ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا اتبعهم الناس كما يزعمون ، فلا تلتفت إلى قولهم طمعاً في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني . ويعضده قراءة من قرأ { وَمَا كُنْتَ } على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقرىء { مُتَّخِذاً ٱلْمُضِلّينَ } على الأصل و { عَضُداً } بالتخفيف و { عَضُداً } بالاتباع و { عَضُداً } كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه . { وَيَوْمَ يَقُولُ } أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون . { نَادُواْ شُرَكَائِىَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي ، وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه ، وقيل إبليس وذريته . { فَدَعَوْهُمْ } فنادوهم للإِغاثة . { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } فلم يغيثوهم . { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم } بين الكفار وآلهتهم . { مَّوْبِقاً } مهلكاً يشتركون فيه وهو النار ، أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه : لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً . و { مَّوْبِقاً } اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك . وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكاً يوم القيامة . { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّواْ } فأيقنوا . { أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } مخالطوها واقعون فيها . { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } انصرافاً أو مكانًا ينصرفون إليه . { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لِلنَّاسِ مِن كُلّ مَثَلٍ } من كل جنس يحتاجون إليه . { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىء } يتأتى منه الجدل . { جَدَلاً } خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز . { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ } من الإِيمان . { إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ } وهو الرسول الداعي والقرآن المبين . { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ } ومن الاستغفار من الذنوب . { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين ، وهي الاستئصال فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ } عذاب الآخرة . { قُبُلاً } عياناً . وقرأ الكوفيون { قُبُلاً } بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع ، وقرىء بفتحتين وهو أيضاً لغة يقال لقيته مقابلة وقبلاً وقبلاً وقبلياً ، وانتصابه على الحال من الضمير أو { ٱلْعَذَابَ } .