Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 90-100)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض ، وقرىء بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر . { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً } من اللباس أو البناء ، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية . { كَذٰلِكَ } أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك ، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار . ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو { نَجْعَلِ } أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم . { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ } من الجنود والآلات والعدد والأسباب . { خُبْراً } علماً تعلق بظواهره وخفاياه ، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغاً لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير . { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } يعني طريقاً ثالثاً معترضاً بين المشرق والمغرب آخذاً من الجنوب إلى الشمال . { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين الجبلين المبني بينهما سده وهماً جبلا أرمينية وأذربيجان . وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج . وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب « بَيْنَ السُّدَّيْنِ » بالضم وهما لغتان . وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس . وقيل بالكسر وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة . { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم . وقرأ حمزة والكسائي « لا يفقهون » أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه . { قَالُواْ يَا ذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال « الذين من دونهم » . { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قبيلتان من ولد يافث بن نوح ، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل . وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف . وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث . { مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع . قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه ، وقيل كانوا يأكلون الناس . { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } نخرجه من أموالنا . وقرأ حمزة والكسائي « خراجاً » وكلاهما واحد كالنول والنوال . وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر . { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا } يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم « السُّدَّيْنِ » غير حمزة والكسائي . { قَالَ مَا مَكَّنّى فِيهِ رَبّى خَيْرٌ } ما جعلني فيه مكيناً من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه . وقرأ ابن كثير « مكنني » على الأصل . { فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ } أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات . { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } حاجزاً حصيناً وهو أكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعاً فوق رقاع . { ءَاتُونِى زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } قطعه والزبرة القطعة الكبيرة ، وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لأن الإِيتاء بمعنى المناولة ، ويدل عليه قراءة أبي بكر « رَدْمًا ٱئْتُونِى » بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد ، والباء محذوفة حذفها في أمرتك الخير ولأن إعطاء الآلة من الإِعانة بالقوة دون الخراج على العمل . { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } بين جانبي الجبلين بتنضيدها . وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين ، وأبو بكر بضم الصاد وسكون الدال ، وقرىء فتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لأن كلاً منهما منعزل عن الآخر ومنه التصادف للتقابل . { قَالَ ٱنفُخُواْ } أي قال للعملة انفخوا في الأكوار والحديد . { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ } جعل المنفوخ فيه . { نَارًا } كالنار بالإِحماء . { قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } أي آتوني قطراً أي نحاساً مذاباً أفرغ عليه قطراً ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه . وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد أولى ، إذ لو كان قطراً مفعول أفرغ حذراً من الإِلباس . وقرأ حمزة وأبو بكر قال { ءاتُونِى } موصولة الألف . { فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ } بحذف التاء حذراً من تلاقي متقاربين . وقرأ حمزة بالإِدغام جامعاً بين الساكنين على غير حده . وقرىء بقلب السين صاداً . { أَن يَظْهَرُوهُ } أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه . { وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا } لثخنه وصلابته . وقيل حفر للأساس حتى بلغ الماء ، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين ، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً . وقيل بناه من الصخور مرتبطاً بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها . { قَالَ هَـٰذَا } هذا السد أو الأقدار على تسويته . { رَحْمَةٌ مّن رَّبّى } على عباده . { فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى } وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج ، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة . { جَعَلَهُ دَكّا } مدكوكاً مبسوطاً مسوى بالأرض ، مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل أدك لمنبسط السنام . وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي أرضاً مستوية . { وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً } كائناً لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين . { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ } وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد ، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله : { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } لقيام الساعة . { فَجَمَعْنَـٰهُمْ جَمْعاً } للحساب والجزاء . { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَـٰفِرِينَ عَرْضاً } وأبرزناها وأظهرناها لهم .